للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى الْجِعْلَانُ فِي جُحْرِهَا قَالَهُ: ابْنُ مَسْعُودٍ. قَالَ قَتَادَةُ: وَقَدْ فَعَلَ تَعَالَى فِي زَمَنِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: إِذَا قَحِطَ الْمَطَرُ لَمْ تَبْقَ دَابَّةٌ إِلَّا هَلَكَتْ. وَسَمِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَجُلًا يَقُولُ: إِنَّ الظَّالِمَ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، فَقَالَ: بَلَى وَاللَّهِ حَتَّى إِنَّ الْحَبَارَى لَتَمُوتَ فِي وَكْرِهَا بِظُلْمِ الظَّالِمِ. وَهَذَا نَظِيرُ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً «١» الْآيَةَ

وَالْحَدِيثُ «أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ»

وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ، وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ: مِنْ دَابَّةٍ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مِنَ النَّاسِ خَاصَّةً. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ دَابَّةٍ مِنْ مُشْرِكٍ يَدِبُّ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ الْآيَةَ، تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَا يُشْبِهُهُ فِي الْأَعْرَافِ. وَمَا فِي مَا يَكْرَهُونَ لِمَنْ يَعْقِلُ، أُرِيدَ بِهَا النَّوْعُ كَقَوْلِهِ: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ «٢» وَمَعْنَى: وَيَجْعَلُونَ، يَصِفُونَهُ بِذَلِكَ وَيَحْكُمُونَ بِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَا يَكْرَهُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَنَاتِ، وَمِنْ شُرَكَاءَ فِي رِئَاسَتِهِمْ، وَمِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِرُسُلِهِمْ وَالتَّهَاوُنِ بِرِسَالَاتِهِمْ، وَيَجْعَلُونَ لَهُ أَرْذَلَ أَمْوَالِهِمْ، وَلِأَصْنَامِهِمْ أَكْرَمَهَا، وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى عِنْدَ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى «٣» انْتَهَى.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحُسْنَى قَوْلُ قُرَيْشٍ لَنَا الْبَنُونَ، يَعْنِي قَالُوا: لِلَّهِ الْبَنَاتُ وَلَنَا الْبَنُونَ.

وَقِيلَ: الْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَيُؤَيِّدُهُ: لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْمَكْرُوهَ، وَيَدَّعُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ تَعْصِي اللَّهَ وَتَقُولُ مَعَ ذَلِكَ: أَنَّكَ تَنْجُو، أَيْ هَذَا بَعِيدٌ مَعَ هَذَا. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِمَّنْ يَقُولُ بِالْبَعْثِ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِهِ. أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مِنَ الْبَعْثِ صَحِيحًا، وَأَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى بَدَلٌ مِنَ الْكَذِبِ، أَوْ عَلَى إِسْقَاطِ الْحَرْفِ أَيْ: بِأَنَّ لَهُمْ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ بِاخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهِمْ: بِإِسْكَانِ التَّاءِ، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ جمع لسانا الْمُذَكَّرِ نَحْوَ: حِمَارٍ وَأَحْمِرَةٍ، وَفِي التَّأْنِيثِ: أَلْسُنٌ كَذِرَاعٍ وَأَذْرُعٍ. وَقَرَأَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَبَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ: الْكُذُبُ بِضَمِّ الْكَافِ وَالذَّالِ وَالْبَاءِ صِفَةً لِلْأَلْسُنِ، جَمْعُ كَذُوبٍ كَصَبُورٍ وَصُبُرٍ، وَهُوَ مَقِيسٌ، أَوْ جَمْعُ كَاذِبٍ كَشَارِفٍ وَشُرُفٍ وَلَا يَنْقَاسُ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّ لَهُمْ مَفْعُولُ تَصِفُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي لَا جَرَمَ أَنَّ.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى بْنُ عِمْرَانَ: لَهُمْ بِكَسْرِ الهمزة، وأن جَوَابُ قَسَمٍ أَغْنَتْ عَنْهُ


(١) سورة الأنفال: ٨/ ٢٥.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٣. [.....]
(٣) سورة فصلت: ٤١/ ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>