للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَفْظِهِ، وَلَوْ جَمَعْتَ لَقُلْتَ: أَأْثِثَةٌ فِي الْقَلِيلِ، وَأُثُثٌ فِي الْكَثِيرِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَاحِدُهُ أُثَاثةٌ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: أَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَثَثَ النَّبَاتُ وَالشَّعْرُ، فَهُوَ أَثِيثٌ إِذَا كَثُرَ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَفَرْعٌ يُزَيِّنُ المتن أسود فاحم ... أثيت كَقِنْوِ النَّخْلَةِ الْمُتَعَثْكِلِ

الْكِنُّ مَا حَفَظَ، وَمَنَعَ مِنَ الرِّيحِ وَالْمَطَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنَ الْجِبَالِ الْغَارُ. اسْتَعْتَبْتُ الرَّجُلَ بِمَعْنَى أَعْتَبْتُهُ أَيْ: أَزَلْتُ عَنْهُ مَا يُعْتَبُ عَلَيْهِ وَيُلَامُ، وَالِاسْمُ الْعُتْبَى، وَجَاءَتِ اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى أَفْعَلَ نَحْوَ اسْتَدْيَنْتُهُ وَأَدْيَنْتُهُ.

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ: مُنَاسَبَةُ ضَرْبِ هَذَا الْمَثَلِ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى ضَلَالَهُمْ فِي إِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا لِنَفْسِهِ وَلَا لِعَابِدِهِ، ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا قِصَّةَ عَبْدٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، عَاجِزٍ عَنِ التَّصَرُّفِ، وَحُرٍّ غَنِيٍّ مُتَصَرِّفٍ فِيمَا آتَاهُ اللَّهُ. فَإِذَا كَانَ هَذَانِ لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَكُمْ مَعَ كَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَمُشْتَرِكَيْنِ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ، فَكَيْفَ تُشْرِكُونَ بِاللَّهِ وَتُسَوُّونَ به من مَخْلُوقٌ لَهُ مَقْهُورٌ بِقُدْرَتِهِ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ، مَعَ تَبَايُنِ الْأَوْصَافِ. وَأَنَّ مُوجِدَ الْوُجُودِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْبِهَهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا يُمْكِنَ لِعَاقِلٍ أَنْ يُشَبِّهَ بِهِ غَيْرَهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا مَثَلٌ لِلَّهِ وَلِلْأَصْنَامِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَالْكَافِرُ الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ لَا يَنْتَفِعُ بِعِبَادَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ رَزَقْنَاهُ الْمُؤْمِنُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: مَثَلٌ لِلْبَخِيلِ وَالسَّخِيِّ انْتَهَى.

وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ عَبْدٍ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحُرِّ، خُصِّصَ بِمَمْلُوكٍ. وَلَمَّا كَانَ الْمَمْلُوكُ قَدْ يَكُونُ لَهُ تَصَرُّفٌ وَقُدْرَةٌ كَالْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُكَاتَبِ، خُصِّصَ بِقَوْلِهِ: لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَالْمَعْنَى: عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ حَرَكَاتِهِ: كَالْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالنَّوْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ كَوْنُ وَمَنْ مَوْصُولَةً أَيْ: وَالَّذِي رَزَقْنَاهُ، وَدَلَّتِ الصِّلَةُ وَمَا عُطِفَ عَلَى أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحُرُّ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: مَوْصُوفَةٌ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ كَأَنَّهُ قَالَ: وَحُرًّا رَزَقْنَاهُ لِيُطَابِقَ عَبْدًا، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>