للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرْبِ وَهُوَ مَا يَعْرِضُ فِيهَا مِنَ الْجِرَاحِ النَّاشِئَةِ مِنْ ضَرْبِ السَّيْفِ، وَالدَّبُّوسِ، وَالرُّمْحِ، وَالسَّهْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ لِلْحَدِيثِ. كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الْإِتْمَامِ لِلنِّعْمَةِ فِيمَا سَبَقَ، يُتِمُّ نِعْمَتَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَتِمُّ بِتَاءٍ مَفْتُوحَةٍ نِعْمَتُهُ بِالرَّفْعِ، أَسْنَدَ التَّمَامَ إِلَيْهَا اتِّسَاعًا، وَعَنْهُ نِعَمُهُ جَمْعًا. وَقَرَأَ: لَعَلَّكُمْ تَسْلَمُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ، وَاللَّامِ مِنَ السَّلَامَةِ وَالْخَلَاصِ، فَكَأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِوِقَايَةِ السَّرَابِيلِ مِنْ أَذَى الْحَرْبِ، أَوْ تُسْلِمُونَ مِنَ الشِّرْكِ. وَأَمَّا تُسْلِمُونَ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ فَالْمَعْنَى: تُؤْمِنُونَ، أَوْ تَنْقَادُونَ إِلَى النَّظَرِ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى مُفْضٍ إِلَى الْإِيمَانِ وَالِانْقِيَادِ. رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ فَقَالَ: عِنْدَ كُلِّ نِعْمَةٍ اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَلَمَّا سَمِعَ: لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ، قَالَ:

اللَّهُمَّ هَذَا فَلَا، فَنَزَلَتْ.

فَإِنْ تَوَلَّوْا، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا أَيْ: فَإِنْ أَعْرَضُوا عَنِ الْإِسْلَامِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِعًا أَيْ: فَإِنْ تَتَوَلَّوْا، وَحُذِفَتِ التَّاءُ، وَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْخِطَابِ السَّابِقِ وَالْمَاضِي عَلَى الِالْتِفَاتِ، وَالْفَاءُ وَمَا بَعْدَهَا جَوَابُ الشَّرْطِ صُورَةً، وَالْجَوَابُ حَقِيقَةً مَحْذُوفٌ أَيْ: فَأَنْتَ مَعْذُورٌ إِذْ أَدَّيْتَ مَا وَجَبَ عَلَيْكَ، فَأُقِيمَ سَبَبُ الْعُذْرِ وَهُوَ الْبَلَاغُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْمَعْنَى إِنْ أَعْرَضُوا فَلَسْتَ بِقَادِرٍ عَلَى حَقِّ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تُبَيِّنَ وَتُبَلِّغَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ انْتَهَى. ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا، وَعِرْفَانُهُمْ لِلنِّعَمِ الَّتِي عُدَّتْ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يَعْتَرِفُونَ بِهَا، وَأَنَّهَا مِنْهُ تَعَالَى، وَإِنْكَارُهُمْ لَهَا حَيْثُ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ إِنْكَارًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، إِذْ لَمْ يُرَتِّبُوا عَلَى مَعْرِفَةِ نِعَمِهِ تَعَالَى مُقْتَضَاهَا مِنْ عِبَادَتِهِ، وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ دُونَ مَا نَسَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ، قَالَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مُجَاهِدٌ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: النِّعْمَةُ هَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وَالْمَعْنَى: يَعْرِفُونَ بِمُعْجِزَاتِهِ وَآيَاتِ نُبُوَّتِهِ، وَيُنْكِرُونَ ذَلِكَ بِالتَّكْذِيبِ، وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: إِنْكَارُهُمْ قَوْلَهُمْ وَرِثْنَاهَا مِنْ آبَائِنَا. وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ: إِضَافَتُهَا إِلَى الْأَسْبَابِ لَا إِلَى مُسَبِّبِهَا، وَحَكَى صَاحِبُ الْغَنِيَّان: يَعْرِفُونَهَا فِي الشِّدَّةِ، ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا فِي الرَّخَاءِ. وَقِيلَ:

إِنْكَارُهُمْ هِيَ بِشَفَاعَةِ آلِهَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ. وَقِيلَ: يَعْرِفُونَهَا بِقُلُوبِهِمْ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ وَأَكْثَرُهُمْ مَوْضُوعُهُ الْأَصْلِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَكُلُّهُمْ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَقُومُ بِوَاجِبِ حَقِّ الشُّكْرِ، فَجَعَلَهُ من كفران النعمة. وظاهر أَنَّ الْكُفْرَ هُنَا هُوَ مُقَابِلُ الْإِيمَانِ.

وَقِيلَ: أَكْثَرُ أَهْلِ مَكَّةَ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَبَى. وَقِيلَ: مَعْنَى الْكَافِرُونَ الْجَاحِدُونَ الْمُعَانِدُونَ، لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يَعْرِفْ فَيُعَانِدُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا مَعْنَى ثُمَّ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>