للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَلَا نَظِرَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَابَ إِذَا قَوْلُهُ فَلَا يُخَفَّفُ، وَهُوَ عَلَى إِضْمَارِ هُوَ أَيْ: فَهُوَ لَا يُخَفَّفُ، لِأَنَّهُ لَوْلَا تَقْدِيرُ الْإِضْمَارِ لَمْ تَدْخُلِ الْفَاءُ، لِأَنَّ جَوَابَ إِذَا إِذَا كَانَ مُضَارِعًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى دُخُولِ الْفَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ مُوجَبًا أَمْ مَنْفِيًّا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ «١» وَتَقُولُ: إِذَا جَاءَ زَيْدٌ لَا يَجِيءُ عَمْرٌو. قَالَ الْحَوْفِيُّ: فَلَا يُخَفَّفُ جَوَابُ إِذَا، وَهُوَ الْعَامِلُ فِي إِذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فَاءَ الْجَوَابِ فِي غَيْرِ أَمَّا لَا تَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَبَيَّنَا أَنَّ الْعَامِلَ فِي إِذَا الْفِعْلُ الَّذِي يَلِيهَا كَسَائِرِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ قَوْلَ الْجُمْهُورِ. وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ جَوَابَ إِذَا مَحْذُوفًا فَقَالَ: وَقَدْ قُدِّرَ الْعَامِلُ فِي يَوْمَ نَبْعَثُ مَجْزُومًا قَالَ: وَيَوْمَ نَبْعَثُ وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ، وَكَذَلِكَ وَإِذَا رَأَوُا الْعَذَابَ بَغَتَهُمْ وَثَقُلَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُخَفَّفُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ كَقَوْلِهِ: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً «٢» فَتَبْهَتُهُمْ الْآيَةَ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: شُرَكَاءَهُمْ، عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ اتَّخَذُوهُ شَرِيكًا لِلَّهِ مِنْ صَنَمٍ وَوَثَنٍ وَآدَمِيٍّ وَشَيْطَانٍ وَمَلَكٍ، فَيُكَذِّبُهُمْ مَنْ لَهُ مِنْهُمْ عَقْلٌ، فَيَكُونُ: فَأَلْقَوْا عَائِدًا عَلَى مَنْ لَهُ الْكَلَامُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا يُنْطِقُ اللَّهُ تَعَالَى بِقُدْرَتِهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ. وَإِضَافَةُ الشُّرَكَاءِ إِلَيْهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِكَوْنِهِمْ هُمُ الَّذِينَ جَعَلُوهُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ:

شُرَكَاؤُهُمْ الشَّيَاطِينُ، شَرَكُوهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ «٣» ، وَقِيلَ: شُرَكَاؤُهُمْ فِي الْكُفْرِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ شُرَكَاؤُهُمْ فِي أَنِ اتَّخَذُوهُمْ آلِهَةً مَعَ اللَّهِ وَعَبَدُوهُمْ، أَوْ شُرَكَاؤُهُمْ فِي أَنْ جَعَلُوا لَهُمْ نَصِيبًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِمْ حَقِيقَةً. وَقِيلَ: مَنْسُوبٌ إِلَى جَوَارِحِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا الْإِشْرَاكَ بِقَوْلِهِمْ: إِلَّا أَنْ قالُوا: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ «٤» أَصْمَتَ اللَّهُ أَلْسِنَتَهُمْ وَأَنْطَقَ جَوَارِحَهُمْ. ومعنى: تدعو، ونعبد قَالُوا ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يُشْرَكُوا مَعَهُمْ فِي الْعَذَابِ، إِذْ يَحْصُلُ التَّأَسِّي، أَوِ اعْتِذَارًا عَنْ كُفْرِهِمْ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ، إِنْ كَانَ الشُّرَكَاءُ هُمُ الشَّيَاطِينَ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ. قَالُوا: ذَلِكَ إِحَالَةُ هَذَا الذَّنْبِ عَلَى تِلْكَ الْأَصْنَامِ، وَظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ يُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ مِنْ عذابهم، فعند ذلك تكذيبهم تِلْكَ الْأَصْنَامَ. وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَعْلَمُونَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا فِي الْآخِرَةِ أَنَّ الْعَذَابَ سَيَنْزِلُ بِهِمْ، وَلَا نُصْرَةَ، وَلَا فِدْيَةَ، وَلَا شَفَاعَةَ. وَتَقَدَّمُ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ، وَالْإِخْبَارُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَهُمْ: أَيْ يَعْبُدُونَهُمْ، فَاحْتَمَلَ التَّكْذِيبُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا

لِلْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ أي: لسنا شركاء


(١) سورة الحج: ٢٢/ ٧٢.
(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٤٠. [.....]
(٣) سورة الإسراء: ١٧/ ٦٤.
(٤) سورة الأنعام: ٦/ ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>