أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْ تَغْتَرُّونَ بِكَثْرَةِ قُرَيْشٍ وَثَرْوَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَقِلَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَفَقْرِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ: إِنْذَارٌ وَتَحْذِيرٌ مِنْ مُخَالَفَةِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ السَّائِبِ، وَمُقَاتِلٌ: يَعُودُ عَلَى الْكَثْرَةِ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: لَمَّا كَانَ تَأْنِيثُهَا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى التَّذْكِيرِ، كَمَا حُمِلَتِ الصَّيْحَةُ عَلَى الصياح.
لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ
: هَذِهِ الْمَشِيئَةُ مَشِيئَةُ اخْتِيَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، ابْتَلَى النَّاسَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِيَذْهَبَ كُلٌّ إِلَى مَا يُسِّرَ لَهُ، وَذَلِكَ لِحَقِّ الْمَلِكِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. وَلَوْ شَاءَ لَكَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ، إِمَّا هُدًى، وَإِمَّا ضَلَالَةٌ، وَلَكِنَّهُ فَرَّقَ، فَنَاسٌ لِلسَّعَادَةِ، وَنَاسٌ لِلشَّقَاوَةِ. فَخَلَقَ الْهُدَى وَالضَّلَالَ، وَتَوَعَّدَ بِالسُّؤَالِ عَنِ الْعَمَلِ، وَهُوَ سُؤَالُ تَوْبِيخٍ لَا سُؤَالُ تَفَهُّمٍ، وَسُؤَالُ التَّفَهُّمِ هُوَ الْمَنْفِيُّ فِي آيَاتٍ. وَمَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْمَشِيئَةَ مَشِيئَةُ قَهْرٍ. قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَخَلَقَكُمْ لِيُعَذِّبَ مَنْ يَشَاءُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَيُثِيبَ مَنْ يَشَاءُ عَلَى طَاعَتِهِ، وَلَا يَشَاءُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَسْتَحِقَّهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ شَاءَ خَلَقَكُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِيُثِيبَ الْمُطِيعِينَ مِنْكُمْ، وَيُعَذِّبَ الْعُصَاةَ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَعْنِي: سُؤَالَ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُجَازَاةِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِضْلَالَ فِي الْآيَةِ الْعِقَابُ، وَلَوْ كَانَ الْإِضْلَالُ عَنِ الدِّينِ لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِهِ إِيَّاهُمْ مَعْنًى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ حَنِيفَةٌ مُسْلِمَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْجَاءِ وَالِاضْطِرَارِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْحِكْمَةَ اقْتَضَتْ أَنْ يُضِلَّ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَخْذُلَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْكُفْرَ وَيُصَمِّمَ عَلَيْهِ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَنْ يَلْطُفَ بِمَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْإِيمَانَ، يَعْنِي: أَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَعَلَى مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ اللُّطْفَ وَالْخِذْلَانَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، وَلَمْ يُنَبَّهْ عَلَى الْإِجْبَارِ الَّذِي لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَحَقَّقَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَتُسْأَلُنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute