للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ: لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ «١» وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِمَّا بَيَّنَ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً «٢» ذَكَرَ مَا يَصُونُ بِهِ الْقَارِئُ قِرَاءَتَهُ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَنَزْغِهِ، فَخَاطَبَ السَّامِعَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ إِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ. فَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظًا فَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ، إِذْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مِنْ أَجَلِّ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ كُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَالظَّاهِرُ بِعَقِبِ الِاسْتِعَاذَةِ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ حَمْزَةَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: كُلَّمَا قَرَأْتَ الْفَاتِحَةَ حِينَ تَقُولُ: آمِينَ، فَاسْتَعِذْ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَالِكٍ، وَدَاوُدَ. تَعْقُبُهَا الْقِرَاءَةُ كَمَا رُوِيَ عَنْ حَمْزَةَ وَالْجُمْهُورِ: عَلَى تَرْكِ هَذَا الظَّاهِرِ وَتَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى: فَإِذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأَنَّ الْفِعْلَ يُوجَدُ عِنْدَ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ بِغَيْرِ فَاصِلٍ وَعَلَى حَسْبِهِ، فَكَانَ بِسَبَبٍ قَوِيٍّ وَمُلَابَسَةٍ ظَاهِرَةٍ كَقَوْلِهِ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «٣»

وَكَقَوْلِهِ: «إِذَا أَكَلْتَ فَسَمِّ اللَّهِ»

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

فَإِذَا وَصْلَةٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهَا فِي مِثْلِ هَذَا، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ: فَإِذَا أَخَذْتَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَاسْتَعِذْ، أَمْرٌ بِالِاسْتِعَاذَةِ. فَالْجُمْهُورُ عَلَى النَّدْبِ، وَعَنْ عَطَاءٍ الْوُجُوبُ. وَالظَّاهِرُ:

طَلَبُ الِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ الْمُرَادُ بِهِ إِبْلِيسُ وَأَعْوَانُهُ. وَقِيلَ:

عَامٌّ فِي كُلِّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مِنْ جِنٍّ وَإِنْسٍ، كَمَا قَالَ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِعَاذَةِ، وَالَّذِي صَارَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارُوهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِمَا

رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ اسْتَعَاذَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِعَيْنِهِ»

وَنَفَى تَعَالَى سُلْطَانَ الشَّيْطَانِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ. وَالسُّلْطَانُ هُنَا التَّسْلِيطُ وَالْوِلَايَةُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ وَلَا يُطِيعُونَهُ فِيمَا يُرِيدُ مِنْهُمْ مِنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ «٤» وَكَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ فِي قِصَّةِ أَوْلِيَائِهِ: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي «٥» وقيل:


(١) سورة النحل: ١٦/ ٨٩.
(٢) سورة النحل: ١٦/ ٩٧. [.....]
(٣) سورة المائدة: ٥/ ٦.
(٤) سورة الحجر: ١٥/ ٤٢.
(٥) سورة ابراهيم: ١٤/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>