للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمِلْهُ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ. وَالْمَعْنَى: لِسَانُ الرَّجُلِ الَّذِي يُمِيلُونَ قَوْلَهُمْ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ إِلَيْهِ لِسَانٌ أَعْجَمِيٌّ غَيْرُ بَيِّنٍ، وَهَذَا الْقُرْآنُ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ذُو بَيَانٍ وَفَصَاحَةٍ، رَدًّا لِقَوْلِهِمْ وَإِبْطَالًا لِطَعْنِهِمْ انْتَهَى. وَظَاهِرُ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ: أَنَّ اللِّسَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللُّغَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَهَذَا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ اللِّسَانُ هُنَا الْجَارِحَةَ. وَاللِّسَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اللُّغَةُ، ويحتمل أن يراد وَهَذَا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ اللِّسَانُ هُنَا الْجَارِحَةَ. وَاللِّسَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اللُّغَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمَعْنَى أَنْتُمْ أَفْصَحُ وَأَبْلَغُهُمْ وَأَقْدَرُهُمْ عَلَى الْكَلَامِ نَظْمًا وَنَثْرًا، وَقَدْ عَجَزْتُمْ وَعَجَزَ جَمِيعُ الْعَرَبِ، فَكَيْفَ تَنْسُبُونَهُ إِلَى أَعْجَمِيٍّ أَلْكَنَ؟

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : الْجُمْلَةُ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ لبيان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، مَا مَحَلُّهَا؟ (قُلْتُ) : لَا مَحَلَّ لَهَا، لِأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ اللَّهُ:

أَعْلَمُ، حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ «١» انْتَهَى. وَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً فَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ أَيْ: يَقُولُونَ ذَلِكَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَيْ: عِلْمُهُمْ بِأَعْجَمِيَّةِ هَذَا الْبَشَرِ وَإِبَانَةِ عَرَبِيَّةِ هَذَا الْقُرْآنَ كَانَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ، كَمَا تَقُولُ: تَشْتُمُ فُلَانًا وَهُوَ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ أَيْ: عِلْمُكَ بِإِحْسَانِهِ لَكَ كَانَ يَقْتَضِي مَنْعَكَ مِنْ شَتْمِهِ. وَإِنَّمَا ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى الِاسْتِئْنَافِ وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْحَالِ، لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَجِيءَ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ الِاسْمِيَّةِ بِغَيْرِ وَاوٍ شَاذٌّ، وَهُوَ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ جِدًّا، وَمَجِيءُ ذَلِكَ بِغَيْرِ وَاوٍ لَا يَكَادُ يَنْحَصِرُ كَثْرَةً فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ تَبِعَ فِيهِ الفراء، وأما الله أَعْلَمُ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِيهَا، لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ خَالِيَةٌ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى ذِي الْحَالِ، لِأَنَّ ذَا الْحَالِ هُوَ ضَمِيرُ قَالُوا، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ذُو الْحَالِ ضَمِيرُ يَقُولُونَ، وَالضَّمِيرُ الَّذِي فِي جُمْلَةِ الْحَالِ هُوَ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فِي يُلْحِدُونَ، فَالْجُمْلَةُ وَإِنْ عُرِّيَتْ عَنِ الْوَاوِ فَفِيهَا ضَمِيرُ ذِي الْحَالِ.

إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>