الْفِعْلِ وَذَمِّهِ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَمَا حَمَلَكَ عَلَيْهِ وَمَا اسْتَفَدْتَ مِنْهُ إِلَّا إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِنَفْسِكَ، فَأَوَّلُ الْأَمْرِ الذَّمُّ وَآخِرُهُ اللَّوْمُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَخْذُولٍ وَمَدْحُورٍ أَنَّ الْمَخْذُولَ هُوَ الْمَتْرُوكُ إِعَانَتُهُ وَنَصْرُهُ وَالْمُفَوَّضُ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْمَدْحُورُ الْمَطْرُودُ الْمُبْعَدُ عَلَى سَبِيلِ الْإِهَانَةِ لَهُ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ، فَأَوَّلُ الْأَمْرِ الْخِذْلَانُ وَآخِرُهُ الطَّرْدُ مُهَانًا. وَكَانَ وَصْفُ الذَّمِّ وَالْخِذْلَانِ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا وَوَصْفُ اللَّوْمِ وَالدُّحُورِ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ وَالْخِطَابُ بِالنَّهْيِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لِلسَّامِعِ غَيْرِ الرَّسُولِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا فَاتِحَتَهَا وَخَاتِمَتَهَا النَّهْيَ عَنِ الشِّرْكِ لِأَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ رَأْسُ كُلِّ حِكْمَةٍ وَمِلَاكُهَا، وَمَنْ عَدِمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ حِكَمُهُ وَعُلُومُهُ وَإِنْ بَذَّ فِيهَا الْحُكَمَاءَ وَحَكَّ بِيَافُوخِهِ السَّمَاءَ، وَمَا أَغْنَتْ عَنِ الْفَلَاسِفَةِ أَسْفَارُ الْحِكَمِ وَهُمْ عَنْ دِينِ اللَّهِ أَضَلُّ مِنَ النَّعَمِ.
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً.
لَمَّا نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى فَسَادِ مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ شَرِيكًا وَنَظِيرًا أَتْبَعَهُ بِفَسَادِ طَرِيقَةِ مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ وَلَدًا، وَالِاسْتِفْهَامُ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ وَالتَّوْبِيخُ وَالْخِطَابُ لِمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَمَعْنَى أَفَأَصْفاكُمْ آثَرَكُمْ وَخَصَّكُمْ وهذا كما قال: أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى «١» وَهَذَا خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَمَا عَلَيْهِ مَعْقُولُكُمْ وَعَادَتُكُمْ، فَإِنَّ الْعَبِيدَ لَا يُؤْثَرُونَ بِأَجْوَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَصْفَاهَا مِنَ الشَّوْبِ وَيَكُونُ أَرْدَؤُهَا وَأَدْوَنُهَا لِلسَّادَاتِ. وَمَعْنَى عَظِيماً مُبَالَغًا فِي الْمُنْكَرِ وَالْقُبْحِ حَيْثُ أَضَفْتُمْ إِلَيْهِ الْأَوْلَادَ ثُمَّ حَيْثُ فَضَّلْتُمْ عَلَيْهِ تَعَالَى أَنْفُسَكُمْ فَجَعَلْتُمْ لَهُ مَا تَكْرَهُونَ، ثُمَّ نِسْبَةُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ شَرِيفِ مَا خَلَقَ إِلَى الْأُنُوثَةِ. وَمَعْنَى صَرَّفْنا نَوَّعْنَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ وَمِنْ مِثَالٍ إِلَى مِثَالٍ، وَالتَّصْرِيفُ لُغَةً صَرْفُ الشَّيْءِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ ثُمَّ صَارَ كِنَايَةً عَنِ التَّبْيِينِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلَقَدْ صَرَّفْنا بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ. فَقَالَ: لَمْ نَجْعَلْهُ نَوْعًا وَاحِدًا بَلْ وَعْدًا وَوَعِيدًا، وَمُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا، وَأَمْرًا وَنَهْيًا، وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، وَأَخْبَارًا وَأَمْثَالًا مِثْلَ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ مِنْ صَبًا وَدَبُورٍ وَجَنُوبٍ وَشَمَالٍ، وَمَفْعُولُ صَرَّفْنا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَحْذُوفٌ وَهِيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَيْ: صَرَّفْنَا الْأَمْثَالَ وَالْعِبَرَ والحكم والأحكام والأعلام.
(١) سورة النجم: ٥٣/ ٢١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute