للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِعِبادِي يُرِيدُ بِهِ جَمِيعَ الْخَلْقِ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مَدْعُوٌّ إِلَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَيَجِيءُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ غَيْرَ مُنَاسِبٍ لِلْمَعْنَى إِلَّا عَلَى تَكَبُّرِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ بِمَعْنَى خِلَالِهِمْ وَأَثْنَاءِهِمْ وَيُجْعَلَ النَّزْغُ بِمَعْنَى الْوَسْوَسَةِ وَالْإِمْلَالِ. وَقَالَ الْحَسَنُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، وَعَنْهُ أَيْضًا الْأَمْرُ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الْمَنَاهِي. وَقِيلَ الْقَوْلُ لِلْمُؤْمِنِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلِلْكَافِرِ هَدَاكَ اللَّهُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: وَهِيَ الْمُحَاوَرَةُ الْحُسْنَى بِحَسَبِ مَعْنًى مَعْنًى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فُسِّرَ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بِقَوْلِهِ:

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ يَعْنِي يَقُولُ لَهُمْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَنَحْوَهَا وَلَا تَقُولُوا لَهُمْ أَنَّكُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَأَنَّكُمْ مُعَذَّبُونَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَغِيظُهُمْ وَيُهَيِّجُهُمْ عَلَى الشَّرِّ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ اعْتِرَاضٌ بِمَعْنَى يُلْقِي بَيْنَهُمُ الْفَسَادَ وَيُغْرِي بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ لِيَقَعَ بَيْنَهُمُ الْمُشَارَّةُ وَالْمُشَاقَّةُ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ: إِذَا أَرَدْتُمُ الْحُجَّةَ عَلَى الْمُخَالِفِ فَاذْكُرُوهَا بِالطَّرِيقِ الْأَحْسَنِ وَهُوَ أَنْ لَا يُخْلَطَ بِالسَّبِّ كَقَوْلِهِ ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «١» وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «٢» وَخَلْطُ الْحُجَّةِ بِالسَّبِّ سَبَبٌ لِلْمُقَابَلَةِ بِمِثْلِهِ، وَتَنْفِيرٌ عَنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ إِظْهَارِ الْحُجَّةِ وَتَأْثِيرِهَا، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ جَامِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ أَيْ مَتَى امْتَزَجَتِ الْحُجَّةُ بِالْإِيذَاءِ كَانَتِ الْفِتْنَةُ انْتَهَى. وَقَرَأَ طَلْحَةُ يَنْزَغُ بِكَسْرِ الزَّايِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَعَلَّهَا لُغَةٌ وَالْقِرَاءَةُ بِالْفَتْحِ. وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: هِيَ لُغَةٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ نَحْوُ يَعْرِشُونَ وَيَعْرُشُونَ انْتَهَى. وَلَوْ مثل بينطح وَيَنْطِحُ كَانَ أَنْسَبَ وَبَيَّنَ تَعَالَى سَبَبَ النَّزْغِ وَهِيَ الْعَدَاوَةُ الْقَائِمَةُ لِأَبِيهِمْ آدَمَ قَبْلَهُمْ وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ «٣» الْآيَةَ وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى تَسَلُّطِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَابْتِغَاءِ الْغَوَائِلِ الْمُهْلِكَةِ لَهُ. وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ رَبُّكُمْ إِنْ كَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَالرَّحْمَةُ الْإِنْجَاءُ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ وَأَذَاهُمْ وَالتَّعْذِيبُ تَسْلِيطُهُمْ عَلَيْهِمْ.

وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الْكُفَّارِ حَافِظًا وَكَفِيلًا فَاشْتَغِلْ أَنْتَ بِالدَّعْوَةِ وَإِنَّمَا هِدَايَتُهُمْ إِلَى اللَّهِ. وَقِيلَ: يَرْحَمْكُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى التَّوْفِيقِ وَالْأَعْمَالِ الصالحة، وإن شاء


(١) سورة النحل: ١٦/ ١٢٥.
(٢) سورة العنكبوت: ٢٩/ ٤٦.
(٣) سورة الأعراف: ٧/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>