اللَّامُ وَالنُّونُ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي لَاتَّخَذُوكَ ولَأَذَقْناكَ هِيَ لَامُ الْقَسَمِ الْحَوْفِيُّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِي ذِكْرِ الْكَيْدُودَةِ وَتَعْلِيلِهَا مَعَ إِتْبَاعِهَا الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ بِالْعَذَابِ الْمُضَاعَفِ فِي الدَّارَيْنِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ الْقَبِيحَ يَعْظُمُ قُبْحُهُ بِمِقْدَارِ عِظَمِ شَأْنِ فَاعِلِهِ وَارْتِفَاعِ مَنْزِلَتِهِ انْتَهَى. وَمِنْ ذَلِكَ يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ «١» الْآيَةَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهِ أَدْنَى مُدَاهَنَةٍ لِلْغُوَاةِ مُضَادَّةٌ لِلَّهِ وَخُرُوجٌ عَنْ وِلَايَتِهِ، وَسَبَبٌ مُوجِبٌ لِغَضَبِهِ وَنَكَالِهِ انْتَهَى.
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ» .
قَالَ حَضْرَمِيٌّ: الضَّمِيرُ فِي وَإِنْ كادُوا لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَاحِيَتِهَا كَحُيِّي بْنِ أَخْطَبَ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى الْمَكْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لَيْسَتْ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا أَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ الشَّامُ، وَلَكِنَّكَ تَخَافُ الرُّومَ فَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَاخْرُجْ إِلَيْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيَحْمِيكَ كَمَا حَمَى غَيْرَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَنَزَلَتْ
، وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لَمْ يُلْبِثْهُمْ بَعْدُ إِلَّا قَلِيلًا.
وَحَكَى النَّقَّاشُ أَنَّهُ خَرَجَ بِسَبَبِ قَوْلِهِمْ وَعَسْكَرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ أَصْحَابَهُ فَنَزَلَتْ وَرَجَعَ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لَمْ يَقَعْ فِي سِيرَةٍ وَلَا فِي كِتَابٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَذُو الْحُلَيْفَةِ لَيْسَ فِي طَرِيقِ الشَّامِ مِنَ الْمَدِينَةِ انْتَهَى.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الضَّمِيرُ لِقُرَيْشٍ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ، وَاسْتِفْزَازُهُمْ هُوَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ مَكَّةَ كَمَا ذَهَبُوا إِلَى حَصْرِهِ فِي الشِّعْبِ، وَوَقَعَ اسْتِفْزَازُهُمْ هَذَا بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ وَاتَّبَعُوهُ إِلَى الْغَارِ وَنَفَذَ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدُ فِي أن لم يلبثوا خلفه إِلَّا قَلِيلًا يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ حَاكِيًا أَنَّ اسْتِفْزَازَهُمْ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي دَارِ النَّدْوَةِ مِنْ قَتْلِهِ وَالْأَرْضُ عَلَى هَذَا الدُّنْيَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذَهَبَتْ قُرَيْشٌ إِلَى هَذَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ تَعَالَى اسْتِبْقَاءَ قريش وأن لا يستأصلهما أَذِنَ لِرَسُولِهِ فِي الْهِجْرَةِ فَخَرَجَ بِإِذْنِهِ لَا بِقَهْرِ قُرَيْشٍ، وَاسْتُبْقِيَتْ قُرَيْشٌ لِيُسْلِمَ مِنْهَا وَمِنْ أَعْقَابِهَا مَنْ أَسْلَمَ قَالَ: وَلَوْ أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ لَعُذِّبُوا. ذَهَبَ مُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَلْبَثُونَ لِجَمِيعِهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيَسْتَفِزُّونَكَ لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ رَأْيِكَ. وَقَالَ ابْنُ عِيسَى: لَيُزْعِجُونَكَ وَيَسْتَخِفُّونَكَ. وَأَنْشَدَ:
يُطِيعُ سَفِيهَ الْقَوْمِ إِذْ يَسْتَفِزُّهُ ... وَيَعْصِي حَلِيمًا شَيَّبَتْهُ الْهَزَاهِزُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى مُقَارَبَةِ اسْتِفْزَازِهِ لِأَنْ يُخْرِجُوهُ، فَمَا وَقَعَ الِاسْتِفْزَازُ وَلَا إخراجهم
(١) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٣٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute