للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ تَعَالَى يَنْزِلُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَلِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ كَلَامٌ فِي قَوْلِهِ مَشْهُوداً عَلَى عَادَتِهِ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى مَا لَا تَفْهَمُهُ الْعَرَبُ، وَالَّذِي يَنْبَغِي بَلْ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ

قَوْلِهِ فِيهِ: «يَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ» . وَقَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَلَمَّا أَمَرَهُ تَعَالَى بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ لِلْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَدُلَّ أَمْرُهُ تَعَالَى إِيَّاهُ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ دُونَ أُمَّتِهِ ذَكَرَ مَا اخْتَصَّهُ بِهِ تَعَالَى وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي أُمَّتِهِ تَطَوُّعٌ.

فَقَالَ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أَيْ بِالْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ نافِلَةً زِيَادَةً مَخْصُوصًا بِهَا أَنْتَ وَتَهَجَّدَ هُنَا تَفَعَّلَ بِمَعْنَى الْإِزَالَةِ وَالتَّرْكِ، كَقَوْلِهِمْ: تَأَثَّمَ وَتَحَنَّثَ تَرَكَ التَّأَثُّمَ وَالتَّحَنُّثَ، وَمِنْهُ تَحَنَّثْتُ بِغَارِ حِرَاءَ أَيْ بِتَرْكِ التَّحَنُّثِ، وَشُرِحَ بِلَازِمِهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ وَمِنَ لِلتَّبْعِيضِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: مِنَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ وَاسْهَرْ مِنَ اللَّيْلِ بِالْقُرْآنِ، قَالَ:

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَقُمْ بَعْدَ نَوْمَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَمِنَ لِلتَّبْعِيضِ التَّقْدِيرُ وَقْتًا مِنَ اللَّيْلِ أَيْ وَقُمْ وَقْتًا مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِنَ اللَّيْلِ وَعَلَيْكَ بَعْضَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ وَالتَّهَجُّدُ تَرْكُ الْهُجُودِ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ وَعَلَيْكَ بَعْضَ اللَّيْلِ تَفْسِيرَ مَعْنًى فَيَقْرُبُ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ صِنَاعَةَ النَّحْوِ وَالْإِعْرَابِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُغْرَى بِهِ لَا يَكُونُ حَرْفًا، وَتَقْدِيرُ مِنْ بِبَعْضٍ فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادِفِهِ أَلْبَتَّةَ، إِذْ لَوْ كَانَ مُرَادِفَهُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ اسْمًا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ، أَلَا تَرَى إِجْمَاعَ النَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّ وَاوَ مَعَ حَرْفٌ وَإِنْ قُدِّرَتْ بِمَعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ لِتَقَدُّمِهِ فِي الذِّكْرِ، وَلَا تُلْحَظُ الْإِضَافَةُ فِيهِ وَالتَّقْدِيرُ فَتَهَجَّدْ بِالْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى وَقْتِ الْمُقَدَّرِ فِي وَقُمْ وَقْتًا مِنَ اللَّيْلِ انْتَهَى. فَتَكُونُ الْبَاءُ ظَرْفِيَّةً أَيْ فَتَهَجَّدْ فِيهِ وَانْتُصِبَ نافِلَةً. قَالَ الْحَوْفِيُّ: عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ نَفَّلْنَاكَ نَافِلَةً قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ نافِلَةً بِتَهَجَّدْ إِذَا ذَهَبْتَ بِذَلِكَ إِلَى مَعْنَى صَلِّ بِهِ نَافِلَةً أَيْ صَلِّ نَافِلَةً لَكَ.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى تَهَجَّدْ أَيْ تَنَفَّلْ نفلا ونافِلَةً هُنَا مَصْدَرٌ كَالْعَاقِبَةِ وَالثَّانِي هُوَ حَالٌ أَيْ صَلَاةُ نَافِلَةٍ انْتَهَى. وَهُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي بِهِ وَيَكُونُ عَائِدًا عَلَى الْقُرْآنِ لَا عَلَى وَقْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ الْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو: التَّهَجُّدُ بَعْدَ نَوْمَةٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نافِلَةً زِيَادَةً لَكَ فِي الْفَرْضِ وَكَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ فَرْضًا عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ فِي التَّنَفُّلِ وَالْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>