للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ لِلْأَصْمَعِيِّ:

مَنْ أَحْوَجَ الْكَرِيمَ أَنْ يُقْسِمَ فَهُمْ مَعَ هَذِهِ الْأَفْهَامِ أَقَرُّوا بِالْعَجْزِ، وَلَجَأَ النِّجَادُ مِنْهُمْ إِلَى السَّيْفِ وَرَضِيَ بِالْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ وَكَشْفِ الْحُرُمِ. وَهُوَ كَانَ يَجِدُ الْمَنْدُوحَةَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمُعَارَضَةِ انْتَهَى. مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ وَكَانَ قَدْ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلَهُ وَالْعَجْزُ فِي مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ إِنَّمَا وَقَعَ فِي النَّظْمِ، وَعِلَّةُ ذَلِكَ الْإِحَاطَةُ الَّتِي لَا يَتَّصِفُ بِهَا إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالْبَشَرُ مُقَصِّرٌ ضَرُورَةً بِالْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْغَفْلَةِ وَأَنْوَاعِ النَّقْصِ، فَإِذَا نَظَمَ كَلِمَةً خَفِيَ عَنْهُ الْعِلَلُ الَّتِي ذَكَرْنَا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَا يَأْتُونَ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وَلَوْلَا اللَّامُ الْمُوَطِّئَةُ لَجَازَ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ. كَقَوْلِهِ:

يَقُولُ لَا غَائِبٌ مَالِي وَلَا حَرِمُ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَقَعَ مَاضِيًا انْتَهَى. يَعْنِي بِالشَّرْطِ قَوْلَهُ وَهُوَ صَدْرُ الْبَيْتِ:

وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ فَأَتَاهُ فِعْلٌ مَاضٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَدَاةُ الشَّرْطِ فَخَلَّصَتْهُ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ وَإِنْ أَتَاهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ وَلِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَالْمُبَرِّدِ، لِأَنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الشَّرْطِ مَاضِيًا وَبَعْدَهُ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ أَنَّ ذَلِكَ الْمُضَارِعَ هُوَ عَلَى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ والمبرد أنه هو الْجَوَابُ لَكِنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ، وَمَذْهَبٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْعَجَبُ مِنَ الْمَذَاهِبِ وَمِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّهُ مُعْجِزٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُعْجِزُ حَيْثُ تَكُونُ الْقُدْرَةُ فَيُقَالُ: اللَّهُ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْأَجْسَامِ وَالْعِبَادِ عَاجِزُونَ عَنْهُ، وَالْمُحَالُ الَّذِي لَا مَجَالَ لِلْقُدْرَةِ فِيهِ وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهِ كَثَانِي الْقَدِيمِ فَلَا يُقَالُ لِلْفَاعِلِ قَدْ عَجَزَ عَنْهُ وَلَا هُوَ مُعْجِزٌ، وَلَوْ قِيلَ ذَلِكَ لَجَازَ وَصْفُ اللَّهِ بِالْعَجْزِ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمُحَالِ إِلَّا أَنْ يُكَابِرُوا فَيَقُولُوا: هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمُحَالِ فَإِنَّ رَأْسَ مَالِهِمُ الْمُكَابَرَةُ وَقَلْبُ الْحَقَائِقِ انْتَهَى. وَتَكَرَّرَ لَفْظُ مِثْلِ فِي قَوْلِهِ: لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>