للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهَا، وَإِنَّ الْبَقَرَ تَعْلِيلٌ لِلسُّؤَالِ، كَمَا تَقُولُ: أَكْرِمْ زَيْدًا إِنَّهُ عَالِمٌ، فَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى السُّؤَالِ هُوَ حُصُولُ تَشَابُهِ الْبَقَرِ عَلَيْهِمْ.

وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ: أَيْ لَمُهْتَدُونَ إِلَى عَيْنِ الْبَقَرَةِ الْمَأْمُورِ بِذَبْحِهَا، أَوْ إِلَى مَا خَفِيَ مِنْ أَمْرِ الْقَاتِلِ، أَوْ إِلَى الْحِكْمَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أُمِرْنَا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ. وَفِي تَعْلِيقِ هِدَايَتِهِمْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إِنَابَةٌ وَانْقِيَادٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى نَدَمِهِمْ عَلَى تَرْكِ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «ولم يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُمْ آخِرَ الْأَبَدِ» .

وَجَوَابُ هَذَا الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ، أَيْ إِنْ شاء الله اهتدينا، وإذ حُذِفَ الْجَوَابُ كَانَ فِعْلُ الشَّرْطِ مَاضِيًا فِي اللَّفْظِ وَمَنْفِيًّا بِلَمْ، وَقِيَاسُ الشَّرْطِ الَّذِي حُذِفَ جَوَابُهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنِ الدَّلِيلِ عَلَى الْجَوَابِ، فَكَانَ التَّرْتِيبُ أَنْ يُقَالَ فِي الْكَلَامِ: إِنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَيْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ قَائِمٌ، لَكِنَّهُ تَوَسَّطَ هُنَا بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا، لِيَحْصُلَ تَوَافُقُ رؤوس الْآيِ، وَلِلِاهْتِمَامِ بِتَعْلِيقِ الْهِدَايَةِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَجَاءَ خَبَرُ إِنَّ اسْمًا، لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَعَلَى أَنَّ الْهِدَايَةَ حَاصِلَةٌ لَهُمْ، وَأَكَّدَ بحر في التَّأْكِيدِ إِنَّ وَاللَّامِ، وَلَمْ يَأْتُوا بِهَذَا الشَّرْطِ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، إِذْ أَخْبَرُوا بِثُبُوتِ الْهِدَايَةِ لَهُمْ. وَأَكَّدُوا تِلْكَ النِّسْبَةَ، وَلَوْ كَانَ تَعْلِيقًا مَحْضًا لَمَا احْتِيجَ إِلَى تَأْكِيدٍ، وَلَكِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ: أَنَا صَانِعُ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالصُّنْعِ، فَذَكَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى طَرِيقِ الْأَدَبِ. قَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: إِنَّ قَوْمَ مُوسَى، مَعَ غِلَظِ أَفْهَامِهِمْ وَقِلَّةِ عُقُولِهِمْ، كَانُوا أَعْرَفَ بِاللَّهِ وَأَكْمَلَ تَوْحِيدًا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ، وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: قَدْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يهتدوا، وهم شاؤوا أَنْ لَا يَهْتَدُوا، فَغَلَبَتْ مَشِيئَتُهُمْ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى: ما شاؤوا إلا كَمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَتَكُونُ الْآيَةُ حُجَّةً لَنَا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا كَالْكَلَامِ عَلَى نَظِيرِهِ. لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ، لَا ذَلُولٌ صِفَةٌ لِلْبَقَرَةِ، عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْوَصْفِ بِالْمُفْرَدِ، وَمَنْ قَالَ هُوَ مِنَ الْوَصْفِ بِالْجُمْلَةِ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ: لَا هِيَ ذَلُولٌ، فَبَعِيدٌ عَنِ الصَّوَابِ. وَتُثِيرُ الْأَرْضَ: صِفَةٌ لذلول، وهي صفة دَاخِلَةٌ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ إِثَارَتِهَا الْأَرْضَ، أَيْ لَا تُثِيرُ فَتَذِلَّ، فَهُوَ مِنْ بَابِ:

عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بمناره اللَّفْظُ نَفْيُ الذِّلِّ، وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الْإِثَارَةِ، فَيَنْتَفِي كَوْنُهَا ذَلُولًا. وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>