للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْذُوفٍ أَيْ فَقُلْنَا سَلْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَمَّا أَعْلَمَهُ بِهِ مِنْ غَيْبِ الْقِصَّةِ. ثُمَّ قَالَ: إِذا جاءَهُمْ يُرِيدُ آبَاءَهُمْ وَأَدْخَلَهُمْ فِي الضَّمِيرِ إِذْ هُمْ مِنْهُمْ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سَلْهُمْ عَنْ إِيمَانِهِمْ وَعَنْ حَالِ دِينِهِمْ، أَوْ سَلْهُمْ أَنْ يُعَاضِدُوكَ وَتَكُونَ قُلُوبُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ مَعَكَ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ

قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ.

وَقِيلَ: فَسَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وأصحابه عَنِ الْآيَاتِ لِتَزْدَادَ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةَ قَلْبٍ، لِأَنَّ الدَّلَالَةَ إِذَا تَظَافَرَتْ كَانَ ذَلِكَ أَقْوَى وَأَثْبَتَ كَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي «١» انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا أَعْلَمَهُ بِهِ مِنْ غَيْبِ الْقِصَّةِ. وَلَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقُ السُّؤَالِ مَحْذُوفًا احْتَمَلَ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّؤَالِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ حَقِيقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ مَا مَعْنَاهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عِبَارَةً عَنْ تَطَلُّبِ أَخْبَارِهِمْ وَالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِهِمْ وَمَا فِي كُتُبِهِمْ. نحو قوله وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا «٢» جُعِلَ النَّظَرُ وَالتَّطَلُّبُ مُعَبَّرًا عَنْهُ بِالسُّؤَالِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ: سُؤَالُكَ إِيَّاهُمْ نَظَرُكَ فِي الْقُرْآنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِذْ مَعْمُولَةٌ لَآتَيْنَا أَيْ آتَيْنا حِينَ جَاءَ أَتَاهُمْ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: بم نعلق إِذْ جاءَهُمْ؟ قُلْتُ: أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَبِالْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ أَيْ فَقُلْنَا لَهُ سَلْهُمْ حِينَ جَاءَهُمْ، وَإِمَّا عَلَى الْآخَرِ فَبِآتَيْنَا أَوْ بِإِضْمَارِ اذْكُرْ أَوْ يُخْبِرُونَكَ انْتَهَى. وَلَا يَتَأَتَّى تَعَلُّقُهُ بِاذْكُرْ وَلَا بِيُخْبِرُونَكَ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ مَاضٍ. وَقِرَاءَةُ فَسَأَلَ مَرْوِيَّةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَلَامٌ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ فَسَأَلَ مُوسَى فِرْعَوْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْ طَلَبَهُمْ لِيُنْجِيَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ انْتَهَى. وَعَلَى قِرَاءَةِ فَسَلْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ فَقُلْنَا لَهُ سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ أَيْ سَلْ فِرْعَوْنَ إِطْلَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: فَسَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ اعْتِرَاضٌ فِي الْكَلَامِ وَالتَّقْدِيرُ، وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ إِذْ جَاءَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَسَلْهُمْ وَلَيْسَ الْمَطْلُوبُ مِنْ سُؤَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَسْتَفِيدَ هَذَا الْعِلْمَ مِنْهُمْ، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنْ يَظْهَرَ لِعَامَّةِ الْيَهُودِ صِدْقُ مَا ذَكَرَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَكُونُ هَذَا السُّؤَالُ سُؤَالَ اسْتِشْهَادٍ انْتَهَى. وَعَلَى قِرَاءَةِ فَسَأَلَ مَاضِيًا وَقَدَّرَهُ فَسَأَلَ فِرْعَوْنُ بَنِي إِسْرائِيلَ يَكُونُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لَسَأَلَ مَحْذُوفًا، وَالثَّانِي هُوَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِعْمَالِ لِأَنَّهُ تَوَارَدَ عَلَى فِرْعَوْنَ سَأَلَ وَفَقَالَ فَأُعْمِلَ، الثَّانِي عَلَى مَا هُوَ أَرْجَحُ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ مَسْحُوراً اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ قَدْ سَحَرْتَ بِكَلَامِكَ هَذَا مُخْتَلٌّ وما


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٦٠.
(٢) سورة الزخرف: ٤٣/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>