للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْفَسَادِ مِنْ حَيْثُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُحْكَى انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الزَّمَخْشَرِيِّ:

ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالنَّهْيِ، وَتَكَلَّمَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ، وَلَيْسَتِ الْآيَةُ فِي الْأَيْمَانِ وَالظَّاهِرُ أَمْرُهُ تَعَالَى بِذِكْرِ اللَّهِ إِذَا عَرَضَ لَهُ نِسْيَانٌ، وَمُتَعَلِّقُ النِّسْيَانِ غَيْرُ مُتَعَلِّقِ الذِّكْرِ. فَقِيلَ: التَّقْدِيرُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا تَرَكْتَ بَعْضَ مَا أَمَرَكَ بِهِ. وَقِيلَ وَاذْكُرْهُ إِذَا اعْتَرَاكَ النِّسْيَانُ لِيُذَكِّرَكَ الْمَنْسِيَّ، وَقَدْ حَمَلَ قَتَادَةُ ذَلِكَ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا. وَقِيلَ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ بِالتَّسْبِيحِ وَالِاسْتِغْفَارِ إِذا نَسِيتَ كلمة الاستثناء تَشْدِيدًا فِي الْبَعْثِ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهَا. وَقِيلَ: وَاذْكُرْ مَشِيئَةَ رَبَّكَ إِذَا فَرَطَ مِنْكَ نِسْيَانٌ لِذَلِكَ أَيْ إِذا نَسِيتَ كلمة الاستثناء ثُمَّ تَنَبَّهْتَ لَهَا، فَتَدَارَكْتَهَا بِالذِّكْرِ قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. قَالَ:

وَلَوْ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: بَعْدَ تَقَضِّي النِّسْيَانِ كَمَا تَقُولُ: اذْكُرْ لِعَبْدِ اللَّهِ إِذَا صَلَّى صَاحِبُكَ أَيْ إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ.

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا إِلَى الشَّيْءِ الْمَنْسِيِّ أَيِ اذْكُرْ رَبَّكَ عِنْدَ نِسْيَانِهِ بِأَنْ تقول عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِشَيْءٍ آخَرَ بَدَلَ هَذَا الْمَنْسِيِّ أَقْرَبَ مِنْهُ رَشَداً وَأَدْنَى خَيْرًا أَوْ مَنْفَعَةً، وَلَعَلَّ النِّسْيَانَ كَانَ خَيْرَةً كَقَوْلِهِ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها «١» . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى بِنَاءِ أَهْلِ الْكَهْفِ، وَمَعْنَاهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُؤْتِينِي مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ عَلَى أَنِّي نَبِيٌّ صَادِقٌ مَا هُوَ أَعْظَمُ فِي الدَّلَالَةِ وَأَقْرَبُ رَشَدًا مِنْ بِنَاءِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حَيْثُ آتَاهُ مِنْ قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَدَلُّ انْتَهَى.

وَهَذَا تَقَدَّمَهُ إِلَيْهِ الزَّجَّاجُ قَالَ الْمَعْنَى: عَسى أَنْ يُيَسِّرَ اللَّهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى نُبُوَّتِي أَقْرَبَ مِنْ دَلِيلِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: عَسى أَنْ يُعَرِّفَنِي جَوَابَ مَسَائِلِكُمْ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّدْتُهُ لَكُمْ وَيُعَجِّلَ لِي مِنْ جِهَتِهِ الرَّشَادَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْكُوفِيُّ الْمُفَسِّرُ: هِيَ بِأَلْفَاظِهَا مِمَّا أُمِرَ أَنْ يَقُولَهَا كُلُّ مَنْ لَمْ يَسْتَثْنِ وَإِنَّهَا كَفَّارَةٌ لِنِسْيَانِ الاستثناء.

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً.

الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَبِثُوا الْآيَةَ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ نِيَامًا فِي الْكَهْفِ إِلَى أَنْ أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً «٢» وَلَمَّا تَحَرَّرَ هَذَا الْعَدَدُ بِإِخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ قُلِ اللَّهُ


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٠٦.
(٢) سورة الكهف: ١٨/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>