للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَقِيقَةِ فِي هُنَالِكَ أَنْ يَكُونَ ظَرْفَ مَكَانٍ لِلْبُعْدِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُشِيرَ بِهِ لِدَارِ الْآخِرَةِ أَيْ فِي تِلْكَ الدَّارِ الْوِلَايَةُ لِلَّهِ كَقَوْلِهِ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ «١» . قِيلَ: لَمَّا نَفَى عَنْهُ الْفِئَةَ النَّاصِرَةَ فِي الدُّنْيَا نَفَى عَنْهُ أَنْ يَنْتَصِرَ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ وَما كانَ مُنْتَصِراً هُنالِكَ أَيْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ هُنالِكَ مَعْمُولًا لِقَوْلِهِ مُنْتَصِراً. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ وَما كانَ مُنْتَصِراً فِي تِلْكَ الحال والْوَلايَةُ لِلَّهِ عَلَى هَذَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. وَقِيلَ: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ مُنْتَصِراً.

وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَشَيْبَةُ وَابْنُ غَزْوَانَ عَنْ طَلْحَةَ وَخَلَفٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ الْوَلايَةُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهِيَ بِمَعْنَى الرِّئَاسَةِ وَالرِّعَايَةِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِفَتْحِهَا بِمَعْنَى الْمُوَالَاةِ وَالصِّلَةِ. وَحُكِيَ عن أبي عمرو الأصمعي أَنَّ كَسْرَ الْوَاوِ هُنَا لَحْنٌ لِأَنَّ فَعَالَةَ إِنَّمَا تَجِيءُ فِيمَا كَانَ صَنْعَةً أَوْ مَعْنًى مُتَقَلَّدًا وَلَيْسَ هُنَالِكَ تَوَلِّي أُمُورٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْوَلايَةُ بِالْفَتْحِ النُّصْرَةُ والتولي وبالكسر السلطان والملك، وقد قرىء بِهِمَا وَالْمَعْنَى هُنَالِكَ أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَتِلْكَ الْحَالُ النُّصْرَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا أَحَدٌ سِوَاهُ تَقْرِيرًا لِقَوْلِهِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْ هُنالِكَ السُّلْطَانُ وَالْمُلْكُ لِلَّهِ لَا يُغْلَبُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ، أَوْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ الشَّدِيدَةِ يَتَوَلَّى اللَّهُ وَيُؤْمِنُ بِهِ كُلُّ مُضْطَرٍّ يَعْنِي إِنَّ قَوْلَهُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً كَلِمَةٌ أُلْجِئَ إِلَيْهَا فَقَالَهَا فَزَعًا مِنْ شُؤْمِ كُفْرِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقُلْهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ يَنْصُرُ فِيهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَفَرَةِ وَيَنْتَقِمُ لَهُمْ وَيَشْفِي صُدُورَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، يَعْنِي أَنَّهُ نَصَرَ فِيمَا فَعَلَ بِالْكَافِرِ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ. وَصَدَّقَ قَوْلِهِ عَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً أَيْ لِأَوْلِيَائِهِ انْتَهَى.

وَقَرَأَ النَّحْوِيَّانِ وَحُمَيْدٌ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ مُنَاذِرٍ وَالْيَزِيدِيُّ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ الْحَقِّ بِرَفْعِ الْقَافِ صِفَةٌ لِلْوَلَايَةِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِخَفْضِهَا وَصْفًا لِلَّهِ تَعَالَى.

وَقَرَأَ أُبَيٌّ هُنالِكَ الْوَلايَةُ الْحَقُّ لِلَّهِ بِرَفْعِ الْحَقِّ لِلْوَلَايَةِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى قَوْلِهِ لِلَّهِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو السَّمَّالِ وَيَعْقُوبُ عَنْ عِصْمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو لِلَّهِ الْحَقَّ بِنَصْبِ الْقَافِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلَى التَّأْكِيدِ كَقَوْلِكَ هذا عبد الله الحق لَا الْبَاطِلَ وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ فَصِيحَةٌ، وَكَانَ عَمْرُو بن عبيد رحمة الله عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ مِنْ أَفْصَحِ


(١) سورة غافر: ٤٠/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>