للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْأَعْشَى:

وَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ الْبَيْتِ غَفْلَتَهُ ... وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثَمَّ مَا يَئِلُ

أَيْ مَا يَنْجُو. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمَلْجَأُ يُقَالُ: وَأَلَ فُلَانٌ إِلَى كذا ألجأ، يئل وألا وءولا.

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً.

لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فِي الْمَثَلِ الْأَوَّلِ حَالَ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ وَمَا آلَ إِلَيْهِ مَا افْتَخَرَ بِهِ الْكَافِرُ مِنَ الْهَلَاكِ، بَيَّنَ فِي هَذَا الْمَثَلِ حَالَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاضْمِحْلَالَهَا وَمَصِيرَ مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ والترفه إلى الهلاك وكَماءٍ قَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هِيَ أَيِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَاءٍ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: الْكَافُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْ ضَرْبًا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ وَأَقُولُ إِنَّ كَماءٍ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ وَاضْرِبْ أَيْ وَصَيِّرْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا أَيْ صِفَتُهَا شِبْهُ مَاءٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الْجُمَلِ فِي قَوْلِهِ إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ «١» فِي يُونُسَ فَأَصْبَحَ أَيْ صَارَ وَلَا يُرَادُ تَقْيِيدُ الْخَبَرِ بِالصَّبَاحِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ:

أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السِّلَاحَ وَلَا ... أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إِنْ نَفَرَا

وَقِيلَ: هِيَ دَالَّةٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالصَّبَاحِ لِأَنَّ الْآفَاتِ السَّمَاوِيَّةَ أَكْثَرُ مَا تَطْرُقُ لَيْلًا فَهِيَ كَقَوْلِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ «٢» . وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تُذْرِيهِ مِنْ أَذْرَى رُبَاعِيًّا. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَخَلَفٌ وَابْنُ عِيسَى وَابْنُ جَرِيرٍ: الرِّيحُ عَلَى الْإِفْرَادِ. وَالْجُمْهُورُ تَذْرُوهُ الرِّياحُ. وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قُدْرَتَهُ الْبَاهِرَةَ فِي صَيْرُورَةِ مَا كَانَ فِي غَايَةِ النَّضْرَةِ وَالْبَهْجَةِ إِلَى حَالَةِ التَّفَتُّتِ وَالتَّلَاشِي إِلَى أَنْ فرقته الرياح


(١) سورة يونس: ١٠/ ٢٤.
(٢) سورة الكهف: ١٨/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>