الضَّمِيرِ ذَمًّا لَهُمْ بِالْإِضْلَالِ فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا لِي عَضُداً فِي الْخَلْقِ فَمَا لَكُمْ تَتَّخِذُونَهُمْ شُرَكَاءَ فِي الْعِبَادَةِ انْتَهَى. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مَا أَشْهَدَهُمْ ذَلِكَ وَلَا اسْتَعَانَ بِهِمْ فِي خَلْقِهَا بَلْ خَلَقْتُهُمْ لِيُطِيعُونِي وَيَعْبُدُونِي فَكَيْفَ يَعْبُدُونَهُمْ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْكُفَّارِ. وَقِيلَ: عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الضَّمِيرُ فِي أَشْهَدْتُهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَعَلَى النَّاسِ بِالْجُمْلَةِ، فَتَتَضَمَّنُ الْآيَةُ الرَّدَّ عَلَى طَوَائِفَ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ وَأَهْلِ الطَّبَائِعِ وَالْمُتَحَكِّمِينَ وَالْأَطِبَّاءِ وَسِوَاهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْ يَتَخَرَّصُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ الصَّقَلِّيُّ وَتَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَنَّهَا رَادَّةٌ عَلَى هَذِهِ الطَّوَائِفِ، وَذَكَرَ هَذَا بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ انْتَهَى.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْحَسَنُ وَشَيْبَةُ وَما كُنْتُ بِفَتْحِ التَّاءِ خِطَابًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْمَعْنَى وَمَا صَحَّ لَكَ الِاعْتِضَادُ بِهِمْ، وَمَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْتَزَّ بِهِمُ انْتَهَى. وَالَّذِي أَقُولُهُ أَنَّ الْمَعْنَى إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَبِيِّهِ وَخِطَابٌ مِنْهُ تَعَالَى لَهُ فِي انْتِفَاءِ كَيْنُونَتِهِ مُتَّخِذَ عَضُدٍ مِنَ الْمُضِلِّينَ، بَلْ هُوَ مُذْ كَانَ وَوُجِدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي غَايَةِ التَّبَرِّي مِنْهُمْ وَالْبُعْدِ عَنْهُمْ لِتَعْلَمَ أُمَّتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَحْفُوظًا مِنْ أَوَّلِ نَشْأَتِهِ لَمْ يَعْتَضِدْ بِمُضِلٍّ وَلَا مَالَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مُتَّخِذًا الْمُضِلِّينَ أَعْمَلَ اسْمَ الْفَاعِلِ.
وَقَرَأَ عِيسَى عَضُداً بِسُكُونِ الضَّادِ خَفَّفَ فَعْلًا كَمَا قَالُوا: رَجْلٌ وَسَبْعٌ فِي رَجُلٍ وَسَبُعٍ وَهِيَ لُغَةٌ عَنْ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا بِفَتْحَتَيْنِ. وَقَرَأَ شيبة وَأَبُو عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ هَارُونَ وَخَارِجَةَ وَالْخَفَّافِ عَضُداً بِضَمَّتَيْنِ، وَعَنِ الْحَسَنِ عَضُداً بِفَتْحَتَيْنِ وَعَنْهُ أَيْضًا بِضَمَّتَيْنِ. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ عَضُداً بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الضَّادِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَيَوْمَ يَقُولُ بِالْيَاءِ أَيِ اللَّهُ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَيَحْيَى وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَحَمْزَةُ وَابْنُ مِقْسَمٍ: نَقُولُ بِنُونِ الْعَظَمَةِ أَيْ لِلَّذِينِ أَشْرَكُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا نادُوا شُرَكائِيَ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ وَلَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى زَعْمِكُمْ، وَالْإِضَافَةُ تَكُونُ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَمَفْعُولَا زَعَمْتُمْ مَحْذُوفَانِ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِمَا إِذِ التَّقْدِيرُ زَعَمْتُمُوهُمْ شُرَكَائِيَ وَالنِّدَاءُ بِمَعْنَى الِاسْتِغَاثَةِ، أَيْ اسْتَغِيثُوا بِشُرَكَائِكُمْ وَالْمُرَادُ نَادُوهُمْ لِدَفْعِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ أَوْ لِلشَّفَاعَةِ لَكُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَيْنَهُمْ عَائِدٌ عَلَى الدَّاعِينَ وَالْمَدْعُوِّينَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالشُّرَكَاءُ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى أَهْلِ الْهُدَى وَأَهْلِ الضَّلَالَةِ، وَالظَّاهِرُ وُقُوعُ الدُّعَاءِ حَقِيقَةً وَانْتِفَاءُ الْإِجَابَةِ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً كَأَنَّ فِكْرَةَ الْكَافِرِ وَنَظَرَهُ فِي أَنَّ تِلْكَ الْجَمَادَاتِ لَا تُغْنِي شَيْئًا وَلَا تَنْفَعُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute