ثَوْبِهِ مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ فَرَفَعَ رَأَسَهُ، وَقَالَ: أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ لَهُ، مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ: أَلَمْ يَكُنْ لَكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا يَشْغَلُكَ عَنِ السَّفَرِ إِلَى هُنَا؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ لِقَاءَكَ وَأَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكَ، قَالَ لَهُ: إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ أَنَا.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ الْخَضِرُ وَخَالَفَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ فَزَعَمَ أَنَّهُ عَالِمٌ آخَرُ. وَقِيلَ: الْيَسَعُ. وَقِيلَ: إِلْيَاسُ. وَقِيلَ: خَضِرُونُ بْنُ قَابِيلَ بْنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قِيلَ: وَاسْمُ الْخَضِرِ بَلْيَا بْنُ مَلْكَانَ
، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْخَضِرَ نَبِيٌّ وَكَانَ عِلْمُهُ مَعْرِفَةَ بَوَاطِنَ قَدْ أُوحِيَتْ إِلَيْهِ، وَعِلْمُ مُوسَى الْأَحْكَامَ وَالْفُتْيَا بِالظَّاهِرِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ وُجِدَ قَاعِدًا عَلَى ثَبَجِ الْبَحْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ سُمِّيَ خَضِرًا لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَالِيَةٍ فَاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خَضْرَاءَ.
وَقِيلَ: كَانَ إِذَا صَلَّى اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ.
وَقِيلَ: جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُرْتَفِعَةُ.
وَقِيلَ: الصَّلْبَةُ وَاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خَضْرَاءَ. وَقِيلَ: كَانَتْ أُمُّهُ رُومِيَّةً وَأَبُوهُ فَارِسِيٌّ.
وَقِيلَ: كَانَ ابْنَ مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ أَرَادَ أَبُوهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَلَحِقَ بِجَزَائِرَ الْبَحْرِ فَطَلَبَهُ أَبُوهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ.
وَقَالَ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ الْمَرْسِيُّ: أَمَّا خَضِرُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَلَيْسَ بِحَيٍّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَلَزِمَهُ الْمَجِيءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعُهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّيْنِ لَمْ يَسَعْهُمَا إِلَّا اتِّبَاعِي» .
انْتَهَى هكذا أوراد لحديث وَمَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عِيسَى حَيٌّ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَعَلَّ
الْحَدِيثَ: «لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا لَمْ يَسَعْهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» .
وَالرَّحْمَةُ الَّتِي آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا هِيَ الْوَحْيُ وَالنُّبُوَّةُ. وَقِيلَ: الرِّزْقُ. وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً أَيْ مِنْ عِنْدِنَا أَيْ مِمَّا يَخْتَصُّ بِنَا مِنَ الْعِلْمِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْغُيُوبِ. وَقَرَأَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مِنْ لَدُنَّا بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي لَدُنْ وَهِيَ الْأَصْلُ.
قِيلَ: وَقَدْ أُولِعَ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى الصَّلَاحِ بِادِّعَاءِ هَذَا الْعِلْمِ وَيُسَمُّونَهُ الْعِلْمَ اللَّدُنِّيَّ، وَأَنَّهُ يُلْقَى فِي رَوْعِ الصَّالِحِ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُخْبِرَ بِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَى الْخَضِرَ. وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُطِيعٍ الْقُشَيْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ يُخْبِرُ عَنْ شَيْخٍ لَهُ أَنَّهُ رَأَى الْخَضِرَ وَحَدَّثَهُ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ الْخَضِرُ؟ وَمِنْ أَيْنَ عَرِفَ ذَلِكَ؟ فَسَكَتَ. وَبَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ الْخَضِرِيَّةَ رُتْبَةٌ يَتَوَلَّاهَا بَعْضُ الصَّالِحِينَ عَلَى قَدَمِ الْخَضِرِ، وَسَمِعْنَا الْحَدِيثَ عَنْ