للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: وَكَانَ هَذَا الْغُلَامُ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ وَلِهَذَا قَالَ: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً. وَقِيلَ: كَانَ الْغُلَامُ بَالِغًا شَابًّا، وَالْعَرَبُ تُبْقِي عَلَى الشَّابِّ اسْمَ الْغُلَامِ. وَمِنْهُ قَوْلُ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ فِي الْحَجَّاجِ:

شَفَاهَا مِنَ الدَّاءِ الَّذِي قَدْ أَصَابَهَا ... غُلَامٌ إِذَا هَزَّ الْقَنَاةَ سَقَاهَا

وَقَالَ آخَرُ:

تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنِّي فَإِنَّنِي ... غُلَامٌ إذا هو جيت لَسْتُ بِشَاعِرِ

وَقِيلَ: أَصْلُهُ مِنَ الِاغْتِلَامِ وَهُوَ شِدَّةُ الشَّبَقِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الشَّبَابِ الَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا الْحُلُمَ وَيَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ تَجَوُّزًا تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يؤول إِلَيْهِ. (وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الْغُلَامِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ أُمِّهِ) وَلَمْ يَرِدْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ.

وَفِي الْخَبَرِ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ كَانَ يُفْسِدُ وَيُقْسِمُ لِأَبَوَيْهِ أَنَّهُ مَا فَعَلَ فَيُقْسِمَانِ عَلَى قَسَمِهِ وَيَحْمِيَانِهِ مِمَّنْ يَطْلُبُهُ.

وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْعُرْسِ وَالْعَرَائِسِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَالَ لِلْخَضِرِ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً غَضِبَ الْخَضِرُ وَاقْتَلَعَ كَتِفَ الصَّبِيِّ الْأَيْسَرَ وَقَشَّرَ اللَّحْمَ عَنْهُ، وَإِذَا فِي عَظْمِ كَتِفِهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ أَبَدًا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ قِيلَ خَرَقَها بغير فاء وفَقَتَلَهُ بِالْفَاءِ؟ قُلْتُ:

جُعِلَ خَرَقَهَا جَزَاءً لِلشَّرْطِ، وَجُعِلَ قَتَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرْطِ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَالْجَزَاءُ قَالَ أَقَتَلْتَ: فَإِنْ قُلْتَ: فَلِمَ خُولِفَ بَيْنَهُمَا؟ قُلْتُ: لِأَنَّ خَرْقَ السَّفِينَةِ لَمْ يَتَعَقَّبِ الرُّكُوبَ وَقَدْ تَعَقَّبَ الْقَتْلُ لِقَاءَ الْغُلَامِ انْتَهَى.

وَمَعْنَى زَكِيَّةً طَاهِرَةً مِنَ الذُّنُوبِ، وَوَصَفَهَا بِهَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا أَذْنَبَتْ، قِيلَ أَوْ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ. وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ يَرُدُّهُ وَيَدُلُّ عَلَى كِبَرِ الْغُلَامِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ لَمْ يَحْتَلِمْ لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ بِنَفْسٍ وَلَا بِغَيْرِ نَفْسٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْأَعْرَجُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَنَافِعٌ وَالْيَزِيدِيُّ وَابْنُ مُسْلِمٍ وَزَيْدٌ وَابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ يَعْقُوبَ وَالتَّمَّارِ عَنْ رُوَيْسٍ عَنْهُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو زَاكِيَةً بِالْأَلِفِ.

وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكُوفِيُّونَ زَكِيَّةً بِغَيْرِ أَلِفٍ وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهِيَ أَبْلَغُ مِنْ زَاكِيَةٍ لِأَنَّ فَعِيلًا الْمُحَوَّلَ مِنْ فَاعِلٍ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نُكْراً بِإِسْكَانِ الْكَافِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ ذَكْوَانَ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَطَلْحَةُ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو حَاتِمٍ بِرَفْعِ الْكَافِ حَيْثُ كَانَ مَنْصُوبًا. وَالنُّكْرُ قِيلَ: أَقَلُّ مِنَ الْإِمْرِ لِأَنَّ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَهْوَنُ مِنْ إِغْرَاقِ أَهْلِ السَّفِينَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ شَيْئًا أَنْكَرَ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>