للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَهِيَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَهَذِهِ هي العجة الَّتِي كَانَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ يَضِجُّ مِنْهَا قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَيَجُوزُ إِنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ عَلَى الْغَاصِبِ فَكَانَ وَرَاءَهُمْ حَقِيقَةً انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ تَكْثِيرٌ وَكَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْكَ هُوَ وَرَاءَكَ، إِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَالدَّهْرِ تَقُولُ: وَرَاءَكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ جَازَ الْوَجْهَانِ لِأَنَّ الْبَرْدَ إِذَا لَحِقَكَ صَارَ مِنْ وَرَائِكَ، وَكَأَنَّكَ إِذَا بَلَغْتَهُ صَارَ بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: إِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي اللُّغَةِ لِأَنَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ وَمَا قُدَّامَكَ إِذَا تَوَارَى عَنْكَ فَقَدْ صَارَ وَرَاءَكَ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: إِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُ وَرَاءَ بِمَعْنَى أَمَامَ عَلَى الِاتِّسَاعِ لِأَنَّهَا جِهَةٌ مُقَابِلَةٌ لِجِهَةٍ فَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ وَرَاءَ الْأُخْرَى إِذَا لَمْ يَرِدْ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَجْرَامِ الَّتِي لَا وَجْهَ لَهَا مِثْلُ حَجَرَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ وَرَاءَ مِنَ الْأَضْدَادِ انْتَهَى.

قِيلَ: وَاسْمُ هَذَا الْمَلِكِ هُدَدُ بْنُ بُدَدَ وَكَانَ كَافِرًا. وَقِيلَ: الْجُلَنْدَى مَلِكُ غَسَّانَ، وَقَوْلُهُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فِي هَذَا حَذْفٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى وَكَانَ كَافِرًا وَكَذَا وُجِدَ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ وَنَصَّ

فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا مَطْبُوعًا عَلَى الْكُفْرِ

، وَيُرَادُ بِأَبَوَيْهِ أَبُوهُ وَأُمُّهُ ثُنِّيَ تَغْلِيبًا مِنْ بَابِ الْقَمَرَيْنِ فِي الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَهِيَ تَثْنِيَةٌ لَا تَنْقَاسُ. وَقَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالْجَحْدَرِيُّ: فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ، فَخَرَّجَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ عَلِيٍّ إِنَّ فِي كَانَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ لِكَانَ، وَأَجَازَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ عَلِيٍّ إِنَّ فِي كَانَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ لِكَانَ، وَأَجَازَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنَانِ عَلَى لُغَةِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، فَيَكُونَ مَنْصُوبًا، وَأَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي كَانَ ضَمِيرُ الْغُلَامِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ.

فَخَشِينا أَيْ خِفْنَا أَنْ يُغْشِي الْوَالِدَيْنِ الْمُؤْمِنَيْنِ طُغْياناً عَلَيْهِمَا وَكُفْراً لِنِعْمَتِهِمَا بِعُقُوقِهِ وَسُوءِ صَنِيعِهِ، وَيُلْحِقَ بِهِمَا شَرًّا وَبَلَاءً، أَوْ يُقْرَنَ بِإِيمَانِهِمَا طُغْيَانُهُ وَكُفْرُهُ، فَيَجْتَمِعَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُؤْمِنَانِ، وَطَاغٍ كَافِرٌ أَوْ يُعْدِيَهُمَا بِدَائِهِ وَيَضِلَّهُمَا بِضَلَالِهِ فَيَرْتَدَّا بِسَبَبِهِ وَيَطْغَيَا وَيَكْفُرَا بَعْدَ الْإِيمَانِ. وَإِنَّمَا خَشِيَ الْخَضِرُ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَعَلَا أَعْلَمَهُ بِحَالِهِ وَأَطْلَعَهُ عَلَى سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ كَاخْتِرَامِهِ لِمَفْسَدَةٍ عَرَفَهَا فِي حَيَاتِهِ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَخَافَ رَبُّكَ، وَالْمَعْنَى فَكَرِهَ رَبُّكَ كَرَاهَةَ مَنْ خَافَ سُوءَ عَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَغَيَّرَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>