للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُمْهُورُ وَقَدْ خَلَقْتُكَ بِتَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ خَلَقْنَاكَ بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً أَيْ شَيْئًا مَوْجُودًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: شَيْئاً لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَوْ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ كَقَوْلِهِمْ: عَجِبْتُ مِنْ لَا شَيْءَ إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلًا.

قالَ أَيْ زَكَرِيَّا رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أَيْ عَلَامَةً أَعْلَمُ بِهَا وُقُوعَ مَا بُشِّرْتُ بِهِ وَطَلَبَ ذَلِكَ لِيَزْدَادَ يَقِينًا كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السلام ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي «١» لَا لِتَوَقُّفٍ مِنْهُ عَلَى صِدْقِ مَا وُعِدَ بِهِ، وَلَا لِتَوَهُّمِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَقَعَتِ الْبِشَارَةُ مُطْلَقَةً فَلَمْ يَعْرِفِ الْوَقْتَ فَطَلَبَ الْآيَةَ لِيَعْرِفَ وَقْتَ الْوُقُوعِ. قالَ آيَتُكَ

رُوِيَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ لَمَّا حَمَلَتْ زَوْجَتُهُ بِيَحْيَى أَصْبَحَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُكَلِّمَ أَحَدًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ وَيَذْكُرُ اللَّهَ، فَإِذَا أَرَادَ مُنَادَاةَ أَحَدٍ لم يطقه.

وسَوِيًّا حَالٌ مِنْ ضَمِيرٍ أَيْ لَا تُكَلِّمْ فِي حَالِ صِحَّتِكَ لَيْسَ بِكَ خَرَسٌ وَلَا عِلَّةٌ قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَوِيًّا عَائِدٌ عَلَى اللَّيَالِي أَيْ كَامِلَاتٍ مُسْتَوَيَاتٍ فَتَكُونُ صِفَةً لِثَلَاثٍ، وَدَلَّ ذِكْرُ اللَّيَالِي هُنَا وَالْأَيَّامِ فِي آلِ عِمْرَانَ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الْكَلَامِ اسْتَمَرَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ.

وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَزَيْدُ بن علي أَلَّا تُكَلِّمَ بِرَفْعِ الْمِيمِ جَعَلَهَا أن المخففة من الثقيلة التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِنَصْبِهَا جَعَلُوا أَنِ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ

أَيْ وَهُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُكَلِّمَ النَّاسَ، وَمِحْرَابُهُ مَوْضِعُ مُصَلَّاهُ، وَالْمِحْرَابُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي آلِ عِمْرَانَ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَيْ أَشَارَ. قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ مُنَبِّهٍ وَالْكَلْبِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ أَوْحَى إِلَيْهِمْ أَشَارَ، وَذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:

وَيَشْهَدُ لَهُ إِلَّا رَمْزًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَتَبَ لَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ:

بَلْ كَتَبَ لَهُمْ فِي التُّرَابِ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ وَحْيٌ انْتَهَى. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَتَبَ فِي وَرَقَةٍ وَالْوَحْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِتَابَةُ. وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

سِوَى الْأَرْبَعِ الدُّهْمِ اللَّوَاتِي كَأَنَّهَا ... بَقِيَّةُ وَحْيٍ فِي بُطُونِ الصَّحَائِفِ

وَقَالَ عَنْتَرَةُ:

كَوَحْيِ صَحَائِفٍ مِنْ عَهْدِ كِسْرَى ... فَأَهْدَاهَا لِأَعْجَمَ طِمْطِمِىِّ

وَقَالَ جَرِيرٌ:

كَأَنَّ أَخَا الْيَهُودِ يَخُطُّ وَحْيًا ... بِكَافٍ فِي مَنَازِلِهَا ولام


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>