للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ وَزَكاةً عَنِ الضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ عَمَلًا صَالِحًا. وَعَنِ ابْنِ السَّائِبِ: صَدَقَةً تُصُدِّقَ بِهَا عَلَى أَبَوَيْهِ. وَعَنِ الزَّجَّاجِ تَطْهِيرًا. وَعَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ زِيَادَةً فِي الْخَيْرِ. وَقِيلَ ثَنَاءً كَمَا يُزَكَّي الشُّهُودُ. وَكانَ تَقِيًّا. قَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يَهُمَّ قَطُّ بِكَبِيرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا هَمَّ بِامْرَأَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَهُ مُتَّقِيًّا لَهُ لَا يَعْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ طَعَامُهُ الْعُشْبَ الْمُبَاحَ وَكَانَ لِلدَّمْعِ فِي خَدَّيْهِ مَجَارٍ بَائِنَةٌ وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ

أَيْ كَثِيرُ الْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَالتَّبْجِيلِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو جَعْفَرٍ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو نَهِيكٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَبَرًّا

فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ وَذَا بِرٍّ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً

أَيْ مُتَكَبِّرًا عَصِيًّا

أَيْ عَاصِيًا كَثِيرَ الْعِصْيَانِ، وَأَصْلُهُ عَصُويٌ فَعُولٌ لِلْمُبَالَغَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا وَهِيَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ.

وَسَلامٌ عَلَيْهِ

. قَالَ الطَّبَرِيُّ: أَيْ أَمَانٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا التَّحِيَّةُ الْمُتَعَارَفَةُ وَإِنَّمَا الشَّرَفُ فِي أَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي الْإِنْسَانُ فِيهَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ وَقِلَّةِ الْحِيلَةِ وَالْفَقْرِ إِلَى اللَّهِ،

وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عِيسَى وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الْتَقَيَا وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، فَقَالَ يَحْيَى لِعِيسَى: ادْعُ لِي فَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: بَلْ أَنْتَ ادْعُ لِي فَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَنَا سَلَّمْتُ عَلَى نَفْسِي.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: يَوْمَ وُلِدَ

أَيْ أَمَانٌ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يتاله الشَّيْطَانُ وَيَوْمَ يَمُوتُ

أَيْ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

مِنْ عَذَابِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي قَوْلِهِ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا

تَنْبِيهٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنَ الشُّهَدَاءِ لِقَوْلِهِ بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ «١» وَهَذَا السَّلَامُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ اللَّهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ انْتَهَى. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ.

وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا.


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>