للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَلِتُصْنَعَ بِكَسْرِ لَامِ كَيْ وَضَمِّ التَّاءِ وَنَصْبِ الْفِعْلِ أَيْ وَلِتُرَبَّى وَيُحْسَنَ إِلَيْكَ. وَأَنَا مُرَاعِيكَ وَرَاقِبُكَ كَمَا يُرَاعِي الرَّجُلُ الشَّيْءَ بِعَيْنَيْهِ إِذَا اعْتَنَى بِهِ. قَالَ قَرِيبًا مِنْهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: يُقَالُ صَنَعْتُ الْفَرَسَ إِذَا أَحْسَنْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى عِلَّةِ مَحْذُوفٍ أَيْ لِيَتَلَطَّفَ بِكَ وَلِتُصْنَعَ أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مُتَأَخِّرٍ تَقْدِيرُهُ فَعَلْتُ ذَلِكَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو نَهِيكٍ بِفَتْحِ التَّاءِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ لِتَكُونَ حَرَكَتُكَ وَتَصَرُّفُكَ عَلَى عَيْنٍ مِنِّي.

وَقَرَأَ شَيْبَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ فِي رِوَايَةِ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْعَيْنِ وَضَمِّ التَّاءِ فِعْلُ أَمْرٍ، وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ كَسَرَ اللَّامَ.

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ

قِيلَ اسْمُهَا مَرْيَمُ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ آسِيَةَ عَرَّضَتْهُ لِلرَّضَاعِ فَلَمْ يَقْبَلِ امْرَأَةً، فَجَعَلَتْ تُنَادِي عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ وَيُطَافُ بِهِ وَيُعْرَضُ لِلْمَرَاضِعِ فَيَأْبَى، وَبَقِيَتْ أُمُّهُ بَعْدَ قَذْفِهِ فِي الْيَمِّ مَغْمُومَةً فَأَمَرَتْ أُخْتَهُ بِالتَّفْتِيشِ فِي الْمَدِينَةِ لَعَلَّهَا تَقَعُ عَلَى خَبَرِهِ، فَبَصُرَتْ بِهِ في طوافها فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ «١» فَتَعَلَّقُوا بِهَا وَقَالُوا: أَنْتِ تَعْرِفِينَ هَذَا الصَّبِيَّ؟ فَقَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَعْلَمُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الْحِرْصَ عَلَى التَّقَرُّبِ إِلَى الْمَلِكَةِ وَالْجَدِّ فِي خِدْمَتِهَا وَرِضَاهَا، فَتَرَكُوهَا وَسَأَلُوهَا الدَّلَّالَةَ فَجَاءَتْ بِأُمِّ مُوسَى فَلَمَّا قَرَّبَتْهُ شَرِبَ ثَدْيَهَا فَسُرَّتْ آسِيَةُ وقالت لها: كوني معي فِي الْقَصْرِ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي وَلَكِنَّهُ يَكُونُ عِنْدِي قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَحْسَنَتْ إِلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ غَايَةَ الْإِحْسَانِ وَاعْتَزَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِهَذَا الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ مِنَ الْمَلِكَةِ، وَلَمَّا كَمُلَ رِضَاعُهُ أَرْسَلَتْ آسِيَةُ إِلَيْهَا أَنْ جِيئِينِي بِوَلَدِي لِيَوْمِ كَذَا، وَأَمَرَتْ خَدَمَهَا وَمَنْ لَهَا أَنْ يَلْقَيْنَهُ بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا وَاللِّبَاسِ، فَوَصَلَ إِلَيْهَا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ بِخَيْرِ حَالٍ وَأَجْمَلِ شَبَابٍ، فَسُرَّتْ بِهِ وَدَخَلَتْ بِهِ عَلَى فِرْعَوْنَ لِيَرَاهُ وَلِيَهِبَهُ فَأَعْجَبَهُ وَقَرَّبَهُ، فَأَخَذَ مُوسَى بِلِحْيَةِ فِرْعَوْنَ وَتَقَدَّمَ مَا جَرَى لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْعُقْدَةِ.

وَالْعَامِلُ فِي إِذْ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ وَمَنَنَّا إِذْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْعَامِلُ فِي إِذْ تَمْشِي أَلْقَيْتُ أَوْ تُصْنَعَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ إِذْ أَوْحَيْنا فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْبَدَلُ وَالْوَقْتَانِ مُخْتَلِفَانِ مُتَبَاعِدَانِ؟ قُلْتُ: كَمَا يَصِحُّ وَإِنِ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَتَبَاعَدَ طَرَفَاهُ أَنْ يَقُولَ لَكَ الرَّجُلُ لَقِيتُ فُلَانًا سَنَةَ كَذَا، فَتَقُولُ: وَأَنَا لَقِيتُهُ إِذْ ذَاكَ. وَرُبَّمَا لَقِيَهُ هُوَ فِي أَوَّلِهَا وَأَنْتَ فِي آخِرِهَا انْتَهَى. وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ لِأَنَّ السَّنَةَ تَقْبَلُ الِاتِّسَاعَ فَإِذَا وَقَعَ لُقِيُّهُمَا فِيهَا بِخِلَافِ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَيِّقٌ لَيْسَ بِمُتَّسِعٍ لِتَخْصِيصِهِمَا بِمَا أُضِيفَا إِلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ الثَّانِي فِي الطَّرَفِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْأَوَّلُ، إِذِ الْأَوَّلُ لَيْسَ مُتَّسِعًا لِوُقُوعِ


(١) سورة طه: ٢٠/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>