للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَكُونُ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَأُبَيٌّ: يَقْتَضِي كَسْبَ فِرْعَوْنَ وَهَذَا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَمُتَعَلِّقُ التَّكْذِيبِ مَحْذُوفٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْآيَاتُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَكَذَّبَ مُوسَى وَأَبى أَنْ يَقْبَلَ مَا أَلْقَاهُ إِلَيْهِ مِنْ رِسَالَتِهِ.

قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ وَكَذَّبَ أَنَّهَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَقَالَ: مِنْ سِحْرٍ، وَلِهَذَا قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى وَيُبَعِّدُ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُهُ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ «١» وَقَوْلُهُ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا «٢» فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَذَّبَ لِظُلْمِهِ لَا أَنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ أَنَّهَا آيَاتُ سِحْرٍ. وَفِي قَوْلِهِ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا وَهَنٌ ظَهَرَ مِنْهُ كَثِيرٌ وَاضْطِرَابٌ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُ غَالِبُهُ عَلَى مُلْكِهِ لَا مَحَالَةَ، وَذَكَرَ عِلَّةَ الْمَجِيءِ وَهِيَ إِخْرَاجُهُمْ وَأَلْقَاهَا فِي مَسَامِعِ قَوْمِهِ لِيَصِيرُوا مُبْغِضِينَ لَهُ جِدًّا إِذِ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْمَوْطِنِ مِمَّا يَشُقُّ وَجَعَلَهُ اللَّهُ مُسَاوِيًا لِلْقَتْلِ فِي قَوْلِهِ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ «٣» وَقَوْلُهُ بِسِحْرِكَ تَعَلُّلٌ وَتَحَيُّرٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ سَاحِرًا لَا يَقْدِرُ أَنْ يُخْرِجَ مَلِكًا مِثْلَهُ مِنْ أَرْضِهِ وَيَغْلِبَهُ عَلَى مِلْكِهِ بِالسِّحْرِ، وَأَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشُّبْهَةِ الطَّاعِنَةِ فِي النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ الْمُعْجِزَ إِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عَنِ السِّحْرِ بِكَوْنِ الْمُعْجِزِ مِمَّا تَتَعَذَّرُ مُعَارَضَتُهُ فَقَالَ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ قَوِيَ وَكَثُرَ مَنَعَتُهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَوَقَعَ أَمْرُهُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، إِذْ هِيَ مَقَالَةُ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى الْحُجَّةِ لَا مَنْ يَصْدَعُ بِأَمْرِ نَفْسِهِ، وَأَرْضُهُمْ هِيَ أَرْضُ مِصْرَ وَخَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ بِسِحْرِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مَعَهُ وَالْعَصَا وَالْيَدُ إِنَّمَا ظَهَرَتَا مِنْ قِبَلِهِ فَلَنَأْتِيَنَّكَ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ، أَوْهَمَ النَّاسَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ السِّحْرِ وَأَنَّ عِنْدَهُ مَنْ يُقَاوِمُهُ فِي ذَلِكَ، فَطَلَبَ ضَرْبَ مَوْعِدٍ لِلْمُنَاظَرَةِ بِالسِّحْرِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوْعِداً هُنَا هُوَ زَمَانٌ أَيْ فَعَيِّنْ لَنَا وَقْتَ اجْتِمَاعٍ وَلِذَلِكَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَمَعْنَى لَا نُخْلِفُهُ أَيْ لَا نُخْلِفُ ذَلِكَ الْوَقْتَ فِي الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ مَكَانًا معلوم وَيَنْبُوعُهُ قَوْلُهُ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ.

وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَلِذَلِكَ قَالَ لَا نُخْلِفُهُ أَيْ ذَلِكَ الْمَوْعِدَ وَالْإِخْلَافُ أَنْ يَعِدَ شَيْئًا وَلَا يُنْجِزُهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنْ جَعَلْتَهُ زَمَانًا نَظَرًا فِي قَوْلِهِ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ مُطَابِقٌ لَهُ لزمك شيئان أن نجعل الزَّمَانَ مُخْلَفًا وَأَنْ يَعْضُلَ عَلَيْكَ نَاصِبُ مَكاناً وَإِنْ جَعَلْتَهُ مَكَانًا لِقَوْلِهِ مَكاناً سُوىً لَزِمَكَ أَيْضًا أَنْ يقع الإخلاف على


(١) سورة الإسراء: ١٧/ ١٠٢.
(٢) سورة النمل: ٢٧/ ١٤.
(٣) سورة النساء: ٤/ ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>