أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِلْقَاؤُكَ أَوَّلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى فَتَحْسُنُ الْمُقَابَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ لَمْ تَحْصُلِ الْمُقَابَلَةُ لِأَنَّا قَدَّرْنَا إِلْقَاؤُكَ أَوَّلُ، وَمُقَابَلَةُ كَوْنِهِمْ يَكُونُونَ أَوَّلَ مَنْ يُلْقِي لَكِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إِلْقَاؤُهُمْ أَوَّلَ فَهِيَ مُقَابَلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ. وَفِي تَقْدِيرِ الزَّمَخْشَرِيِّ الْأَمْرُ إِلْقَاؤُكَ لَا مُقَابَلَةَ فِيهِ.
وَقَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ النَّصْبَ اخْتَرْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَهَذَا تَفْسِيرُ مَعْنًى لَا تفسير إعراب، وَتَفْسِيرُ الْإِعْرَابِ إِمَّا نَخْتَارُ أَنْ تُلْقِيَ وَتَقَدَّمَ نَحْوِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الْأَعْرَافِ.
قالَ بَلْ أَلْقُوا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْإِلْقَاءِ مِنْ بَابِ تَجْوِيزِ السِّحْرِ وَالْأَمْرِ بِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ إِلْقَائِهِمْ وَالْمُعْجِزَةِ، وَتَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى كَشْفِ الشُّبْهَةِ إِذِ الْأَمْرُ مَقْرُونٌ بِشَرْطٍ أَيْ أَلْقُوا إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ لِقَوْلِهِ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ «١» ثُمَّ قَالَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَأَلْقَوْا فَإِذَا.
قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: فَإِذا حِبالُهُمْ الْفَاءُ جَوَابُ مَا حُذِفَ وَتَقْدِيرُهُ فَأَلْقَوْا وَإِذَا فِي هَذَا ظَرْفُ مَكَانٍ، وَالْعَامِلُ فِيهِ أَلْقَوْا انْتَهَى. فَقَوْلُهُ فَإِذا الْفَاءُ جَوَابُ مَا حُذِفَ وَتَقْدِيرُهُ فَأَلْقَوْا لَيْسَتْ هَذِهِ فَاءَ جَوَابٍ لِأَنَّ فَأَلْقَوْا لَا تُجَابُ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْعَطْفِ عَطَفَتْ جُمْلَةَ الْمُفَاجَأَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ. وَقَوْلُهُ وَإِذَا فِي هَذَا ظَرْفُ مَكَانٍ يَعْنِي أَنَّ إِذَا الَّتِي لِلْمُفَاجَأَةِ ظَرْفُ مَكَانٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَظَاهِرُ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، وَقَوْلِهِ: وَالْعَامِلُ فِيهِ أَلْقَوْا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْفَاءَ تَمْنَعُ مِنَ الْعَمَلِ وَلِأَنَّ إِذَا هَذِهِ إِنَّمَا هِيَ مَعْمُولَةٌ لِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ إِنْ لَمْ يَجْعَلْهَا هِيَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ يُخَيَّلُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِذَا وَيُخَيَّلُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَهَذَا نَظِيرُ: خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ رَابِضٌ وَرَابِضًا فَإِذَا رَفَعْنَا رَابِضًا كَانَتْ إِذَا مَعْمُولَةً، وَالتَّقْدِيرُ فَبِالْحَضْرَةِ الْأَسَدُ رَابِضٌ أَوْ فِي الْمَكَانِ، وَإِذَا نصبتا كَانَتْ إِذَا خَبَرًا وَلِذَلِكَ تَكْتَفِي بِهَا، وَبِالْمَرْفُوعِ بَعْدَهَا كَلَامًا نَحْوِ خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُقَالُ فِي إِذَا هَذِهِ إِذَا الْمُفَاجَأَةُ وَالتَّحْقِيقُ فِيهَا أَنَّهَا إِذَا الْكَائِنَةُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ الطَّالِبَةُ نَاصِبًا لَهَا وَجُمْلَةٌ تُضَافُ إِلَيْهَا خُصَّتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِأَنْ يَكُونَ ناصبها فعلا مخصوصا وهو فِعْلُ الْمُفَاجَأَةِ، وَالْجُمْلَةُ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا غَيْرُ فَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ فَفَاجَأَ مُوسَى وَقْتَ تَخْيِيلِ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ وَالْمَعْنَى عَلَى مُفَاجَأَتِهِ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ مُخَيِّلَةً إِلَيْهِ السَّعْيَ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: وَالتَّحْقِيقُ فِيهَا إِذَا كَانَتِ الْكَائِنَةُ بِمَعْنَى
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٣ وغيرها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute