مَفْعُولًا لِصَنَعُوا وَمَا مُهَيِّئَةٌ. وَقَرَأَ أَبُو بَحْرِيَّةَ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سِحْرٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ بِمَعْنَى ذِي سِحْرٍ أَوْ ذَوِي سِحْرٍ، أَوْ هُمْ لِتَوَغُّلِهِمْ فِي سِحْرِهِمْ كَأَنَّهُمُ السِّحْرُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِذَاتِهِ، أَوْ بَيِّنُ الْكَيْدِ لِأَنَّهُ يَكُونُ سِحْرًا وَغَيْرَ سِحْرٍ كَمَا تَبِينُ الْمِائَةُ بِدِرْهَمٍ وَنَحْوُهُ عِلْمُ فِقْهٍ وَعِلْمُ نَحْوٍ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَاحِرٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ سَحَرَ، وَأُفْرِدَ سَاحِرٌ مِنْ حَيْثُ أَنَّ فِعْلَ الْجَمِيعِ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنَ السِّحْرِ، وَذَلِكَ الْحِبَالُ وَالْعِصِيُّ فَكَأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ سَاحِرٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي هَذَا الْكَلَامِ إِلَى مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ لَا إِلَى مَعْنَى الْعَدَدِ، فَلَوْ جُمِعَ لَخُيِّلَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعَدَدُ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أَيْ هَذَا الْجِنْسُ انْتَهَى.
وَعَرَّفَ فِي قَوْلِهِ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ لِأَنَّهُ عَادَ عَلَى سَاحِرٍ النَّكِرَةِ قَبْلَهُ كَقَوْلِهِ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ «١» . وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّمَا نُكِّرَ يَعْنِي أَوَّلًا مِنْ أَجْلِ تَنْكِيرِ الْمُضَافِ لَا مِنْ أَجْلِ تَنْكِيرِهِ فِي نَفْسِهِ كَقَوْلِ الْعَجَّاجِ:
فِي سَعْيِ دُنْيَا طَالَ مَا قَدْ مُدَّتِ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا فِي أَمْرِ دُنْيَا وَلَا فِي أَمْرِ آخِرَةٍ الْمُرَادُ تَنْكِيرُ الْأَمْرِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدٌ سِحْرِيٌّ وَفِي سَعْيٍ دُنْيَاوِيٍّ وَأَمْرٍ دُنْيَاوِيٍّ وَأُخْرَاوِيٍّ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ: فِي سَعْيِ دُنْيَا، مَحْمُولٌ عَلَى الضَّرُورَةِ إِذْ دُنْيَا تَأْنِيثُ الْأَدْنَى، وَلَا يُسْتَعْمَلُ تَأْنِيثُهُ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ بِالْإِضَافَةِ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَحْرِيفِ الرُّوَاةِ.
وَمَعْنَى وَلا يُفْلِحُ لَا يَظْفَرُ بِبُغْيَتِهِ حَيْثُ أَتى أَيْ حَيْثُ تَوَجَّهَ وَسَلَكَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مَعْنَاهُ أن الساحر بقتل حيث تقف وَهَذَا جَزَاءُ مَنْ عُدِمَ الْفَلَاحَ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ أَيْنَ أَتَى وَبَعْدَ هَذَا جُمَلٌ مَحْذُوفَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ فَزَالَ إِيجَاسُ الْخِيفَةِ وَأَلْقَى مَا فِي يَمِينِهِ وَتَلَقَّفَتْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ثُمَّ انْقَلَبَتْ عَصًا، وَفَقَدُوا الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ وَعَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ مُعْجِزٌ لَيْسَ فِي طَوْقِ الْبَشَرِ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً وَجَاءَ التَّرْكِيبُ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ وَلَمْ يَأْتِ فَسَجَدُوا كَأَنَّهُ جَاءَهُمْ أَمْرٌ وَأَزْعَجَهُمْ وَأَخَذَهُمْ فَصَنَعَ بِهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ سُرْعَةِ مَا تَأَثَّرُوا لِذَلِكَ الْخَارِقِ الْعَظِيمِ فَلَمْ يَتَمَالَكُوا أَنْ وَقَعُوا سَاجِدِينَ. وَقَدَّمَ مُوسَى فِي الْأَعْرَافِ وَأَخَّرَ هَارُونَ
(١) سورة المزمل: ٧٣/ ١٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute