للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: يُرِيدُ نَفْسَهُ وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَذْهَبُ مَعَ مَخْرَقَةِ فِرْعَوْنَ وَلَتَعْلَمُنَّ هنا معلق وأَيُّنا أَشَدُّ جُمْلَةٌ اسْتِفْهَامِيَّةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِقَوْلِهِ وَلَتَعْلَمُنَّ سَدَّتْ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ أَوْ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولٍ وَاحِدٍ إِنْ كان لَتَعْلَمُنَّ مُعَدًّى تَعْدِيَةَ عَرَفَ، وَيَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ أَنْ يَكُونَ أَيُّنا مفعولا لَتَعْلَمُنَّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيِ سيبويه وأَشَدُّ خبر مبتدأ محذوف، وأَيُّنا مَوْصُولَةٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا صِلَةٌ والتقدير ولَتَعْلَمُنَّ مَنْ هُوَ أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى.

قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ أَيْ لَنْ نَخْتَارَ اتِّبَاعَكَ وَكَوْنَنَا مِنْ حِزْبِكَ وَسَلَامَتَنَا مِنْ عَذَابِكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَهِيَ الْمُعْجِزَةُ الَّتِي أَتَتْنَا وَعَلِمْنَا صِحَّتَهَا. وَفِي قَوْلِهِمْ هَذَا تَوْهِينٌ لَهُ وَاسْتِصْغَارٌ لَمَّا هَدَّدَهُمْ بِهِ وَعَدَمُ اكْتِرَاثٍ بِقَوْلِهِ. وَفِي نِسْبَةِ الْمَجِيءِ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتِ الْبَيِّنَاتُ جَاءَتْ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِالسِّحْرِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيْسَ بِسِحْرٍ فَكَانُوا عَلَى جَلِيَّةٍ مِنَ الْعِلْمِ بِالْمُعْجِزِ، وَغَيْرُهُمْ يُقَلِّدُهُمْ فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا فَكَانُوا هُمُ الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ النَّفْعُ بِهَا فَكَانَتْ بَيِّنَاتٍ وَاضِحَةً فِي حَقِّهِمْ.

وَالْوَاوُ فِي وَالَّذِي فَطَرَنا وَاوُ عَطْفٍ عَلَى مَا جاءَنا أَيْ وعلى الَّذِي فَطَرَنا لَمَّا لَاحَتْ لَهُمْ حُجَّةُ اللَّهِ فِي الْمُعْجِزَةِ بدؤوا بِهَا ثُمَّ تَرَقَّوْا إِلَى الْقَادِرِ عَلَى خَرْقِ الْعَادَةِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرُوا وَصْفَ الِاخْتِرَاعِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ الَّذِي فَطَرَنا تَبْيِينًا لِعَجْزِ فِرْعَوْنَ وَتَكْذِيبِهِ فِي ادِّعَاءِ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَاهِيَّتِهِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ صَرْفِ ذُبَابَةٍ فَضْلًا عَنِ اخْتِرَاعِهَا. وَقِيلَ: الْوَاوُ لِلْقَسَمِ وَجَوَابُهُ مَحْذُوفٌ، وَلَا يَكُونُ لَنْ نُؤْثِرَكَ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَا يُجَابُ فِي النَّفْيِ بلن إِلَّا فِي شَاذٍّ مِنَ الشعر وَمَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي وَصِلَتُهُ أَنْتَ قاضٍ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا أَنْتَ قَاضِيهِ. قِيلَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً لِأَنَّ الْمَصْدَرِيَّةَ تُوصَلُ بِالْأَفْعَالِ، وَهَذِهِ مَوْصُولَةٌ بِابْتِدَاءٍ وَخَبَرٍ انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ بَلْ قَدْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنَ النُّحَاةِ إِلَى أَنَّ مَا الْمَصْدَرِيَّةَ تُوصَلُ بِالْجُمْلَةِ الْاسْمِيَّةِ. وَانْتَصَبَ هذِهِ الْحَياةَ عَلَى الظَّرْفِ وَمَا مُهَيِّئَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيْ إِنَّ قَضَاءَكَ كَائِنٌ فِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا لَا فِي الْآخِرَةِ، بَلْ فِي الْآخِرَةِ لَنَا النَّعِيمُ وَلَكَ الْعَذَابُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَقْضِي مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ خِطَابًا لِفِرْعَوْنَ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ تُقْضَى مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ هَذِهِ الْحَيَاةُ بِالرَّفْعِ اتَّسَعَ فِي الظَّرْفِ فَأَجْرَى مَجْرَى الْمَفْعُولِ بِهِ، ثُمَّ بُنِيَ الْفِعْلُ لِذَلِكَ وَرُفِعَ بِهِ كَمَا تَقُولُ: صِيمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَوُلِدَ لَهُ سِتُّونَ عَامًا. وَلَمْ يُصَرَّحْ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ أَنْفَذَ فِيهِمْ وَعِيدَهُ وَلَا أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>