للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلُهُ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ جَبَلٍ فَيَهْلِكَ يُقَالُ هَوَى الرَّجُلُ أَيْ سَقَطَ، وَيُشْبِهُ الَّذِي يَقَعُ فِي وَرْطَةٍ بعد أن بِنَجْوَةٍ مِنْهَا بِالسَّاقِطِ، أَوْ هَوى فِي جَهَنَّمَ وَفِي سُخْطِ اللَّهِ وَغَضَبُ اللَّهِ عُقُوبَاتُهُ، وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِالنُّزُولِ.

وَلَمَّا حَذَّرَ تَعَالَى مِنَ الطُّغْيَانِ فِيمَا رَزَقَ وَحَذَّرَ مِنْ حُلُولِ غَضَبِهِ فَتَحَ بَابَ الرَّجَاءِ لِلتَّائِبِينَ وَأَتَى بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الشِّرْكِ وَآمَنَ أَيْ وَحَّدَ اللَّهَ وَعَمِلَ صالِحاً أَدَّى الْفَرَائِضَ ثُمَّ اهْتَدى لَزِمَ الْهِدَايَةَ وَأَدَامَهَا إِلَى الْمُوَافَاةِ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَشُكَّ فِي إِيمَانِهِ. وَقِيلَ: ثُمَّ اسْتَقَامَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي تَقْوَى فِي مَعْنَى ثُمَّ اهْتَدى أَنْ يَكُونَ ثُمَّ حَفِظَ مُعْتَقَدَاتِهِ مِنْ أَنْ يُخَالِفَ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّ الِاهْتِدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ الْإِيمَانِ وَغَيْرُ الْعَمَلِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الِاهْتِدَاءُ هُوَ الِاسْتِقَامَةُ وَالثَّبَاتُ عَلَى الْهُدَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ التَّوْبَةُ وَالْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَنَحْوُهُ: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا «١» وَكَلِمَةُ التَّرَاخِي دَلَّتْ عَلَى تَبَايُنِ الْمَنْزِلَتَيْنِ دَلَالَتَهَا عَلَى تَبَايُنِ الْوَقْتَيْنِ فِي جَاءَنِي زَيْدٌ ثُمَّ عُمَرُ، وَأَعْنِي أَنَّ مَنْزِلَةَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْخَبَرِ مُبَايِنَةٌ لِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهُ وَأَفْضَلُ.

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى. قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً. قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي قالُوا مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً.

لَمَّا نَهَضَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ حَيْثُ كَانَ الْمَوْعِدُ أَنْ يُكَلِّمَ اللَّهُ مُوسَى بِمَا فِيهِ شَرَفُ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، رَأَى عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ أَنْ يُقْدِمَ وَحْدَهُ مُبَادِرًا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَحِرْصًا عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ وَشَوْقًا إِلَى مُنَاجَاتِهِ، وَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: تَسِيرُونَ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ فَلَمَّا انْتَهَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَاجَى رَبَّهُ، زَادَهُ فِي الْأَجَلِ عَشْرًا وَحِينَئِذٍ وَقَفَهُ عَلَى اسْتِعْجَالِهِ دُونَ الْقَوْمِ لِيُخْبِرَهُ مُوسَى أَنَّهُمْ عَلَى الْأَثَرِ

فَيَقَعُ الْإِعْلَامُ لَهُ بِمَا صَنَعُوا وَما اسْتِفْهَامٌ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ عَجَّلَ بِكَ


(١) سورة فصلت: ٤١/ ٣٠، وسورة الأحقاف: ٤٦/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>