هُدًى وَنُورٌ، وَلَا وَعْدٌ أَحْسَنُ مِنْ ذَاكَ وَأَجْمَلُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْوَعْدُ الْحَسَنُ الْجَنَّةُ. وَقِيلَ:
أَنْ يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ وَالْعَهْدُ الزَّمَانُ، يُرِيدُ مُفَارَقَتَهُ لَهُمْ يُقَالُ طَالَ عَهْدِي بِكَذَا أَيْ طَالَ زَمَانِي بِسَبَبِ مُفَارَقَتِكَ، وَعَدُوهُ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ وَمَا تَرَكَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ فَأَخْلَفُوا مَوْعِدَهُ بِعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ انْتَهَى.
وَانْتَصَبَ وَعْداً عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لِيَعِدُكُمْ مَحْذُوفٌ أَوْ أَطْلَقَ الْوَعْدَ وَيُرَادُ بِهِ الْمَوْعُودُ فَيَكُونُ هُوَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ وَفِي قَوْلِهِ أَفَطالَ إِلَى آخِرِهِ تَوْقِيفٌ عَلَى أَعْذَارٍ لَمْ تَكُنْ وَلَا تَصِحُّ لَهُمْ وَهُوَ طُولُ الْعَهْدِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ خُلْفٌ فِي الْمَوْعِدِ وَإِرَادَةُ حُلُولِ غَضَبِ اللَّهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوا عَمَلَ مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ. وَسُمِّيَ الْعَذَابُ غَضَبًا مِنْ حيث هو ناشىء عَنِ الْغَضَبِ فَإِنْ جُعِلَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ فَصِفَةُ ذَاتٍ أَوْ عَنْ ظُهُورِ النِّقْمَةِ والعذاب فصفة فعل. ومَوْعِدِي مصدر يحتمل أن يضاف إِلَى الْفَاعِلِ أَيْ أَوَجَدْتُمُونِي أَخْلَفْتُ مَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: فُلَانٌ أَخْلَفَ وَعْدَ فُلَانٍ إِذَا وَجَدَهُ وَقْعُ فِيهِ الْخُلْفُ قَالَهُ الْمُفَضَّلُ، وَأَنْ يُضَافَ إِلَى الْمَفْعُولِ وَكَانُوا وَعَدُوهُ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا يُخَالِفُوا أَمْرَ اللَّهِ أَبَدًا فَأَخْلَفُوا مَوْعِدَهُ بِعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ.
وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَالْحَسَنُ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَعْنَبٌ بِمُلْكِنَا بِضَمِّ الْمِيمِ.
وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَابْنُ سَعْدَانَ بِفَتْحِهَا وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِهَا. وَقَرَأَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَلَكِنِا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَحَقِيقَتُهُ بِسُلْطَانِنَا، فَالْمَلْكُ وَالْمُلْكُ بِمَنْزِلَةِ النَّقْضِ وَالنُّقْضِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لُغَاتٌ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَفَرَّقَ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ بَيْنَ مَعَانِيهَا فَمَعْنَى الضَّمِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا مُلْكٌ فَنُخْلِفَ مَوْعِدَكَ بِسُلْطَانِهِ وَإِنَّمَا أَخْلَفْنَاهُ بِنَظَرٍ أَدَّى إِلَيْهِ مَا فَعَلَ السَّامِرِيُّ، فَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ لَهُمْ مُلْكًا وَإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
لَا يَشْتَكِي سَقْطٌ مِنْهَا وَقَدْ رَقَصَتْ ... بِهَا الْمَفَاوِزُ حَتَّى ظَهْرُهَا حَدِبُ
أَيْ لَا يَكُونُ مِنْهَا سَقْطَةٌ فَتَشْتَكِيَ، وَفَتْحُ الْمِيمِ مَصْدَرٌ مِنْ مَلَكَ وَالْمَعْنَى مَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَنَّا مَلَكْنَا الصَّوَابَ وَلَا وَقَفْنَا لَهُ، بَلْ غَلَبَتْنَا أَنْفُسُنَا وَكَسْرُ الْمِيمِ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا تَحُوزُهُ الْيَدُ وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يُبْرِمُهَا الْإِنْسَانُ وَمَعْنَاهَا كَمَعْنَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْمَصْدَرُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مُقَدَّرٌ أي بِمَلْكِنا الصَّوَابُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْ مَا أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِأَنْ مَلَكْنَا أَمْرَنَا أَيْ لَوْ مَلَكْنَا أَمَرْنَا وَخَلَّيْنَا وَرَأَيْنَا لَمَا أَخْلَفْنَاهُ، وَلَكِنْ غُلِبْنَا مِنْ جِهَةِ السَّامِرِيِّ وَكَيْدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute