للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُوسَى بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْأَرْبَعِينَ، فَعَتَبَ مُوسَى عَلَى عَدَمِ اتِّبَاعِهِ لَمَّا رَآهُمْ قَدْ ضلوا وَلَا زَائِدَةٌ كَهِيَ فِي قَوْلِهِ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ «١» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى دَخَلَتْ لَا هُنَا لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ لَا تَتَّبِعَنِي، وَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ لَا تَتَّبِعَنِي بِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي يُرِيدُ قَوْلَهُ اخْلُفْنِي «٢» الْآيَةَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَتَّبِعَنِي فِي الْغَضَبِ لِلَّهِ وَشِدَّةِ الزَّجْرِ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَهَلَّا قَاتَلَتْ مَنْ كفر بمن آمن وما لك لَمْ تُبَاشِرِ الْأَمْرَ كَمَا كُنْتُ أُبَاشِرُهُ أَنَا لَوْ كنت شاهدا، أو ما لك لَمْ تَلْحَقْنِي. وَفِي ذَلِكَ تَحْمِيلٌ لِلَّفْظِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَتَكْثِيرٌ وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ تَتَّبِعَنِي لَمْ يُذْكَرْ مُتَعَلِّقُهُ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا تَتَّبِعَنِي إِلَى جَبَلِ الطُّورِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَجِيءُ اعتذار هارون بقوله نِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ

إِذْ كَانَ لَا يَتَّبِعُهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ وَيَبْقَى عُبَّادُ الْعِجْلِ عَاكِفِينَ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى تَتَّبِعَنِي تَسِيرُ بِسَيْرِي فِي الْإِصْلَاحِ وَالتَّسْدِيدِ، فَيَجِيءُ اعْتِذَارُهُ أَنَّ الْأَمْرَ تَفَاقَمَ فَلَوْ تَقَوَّيْتُ عَلَيْهِ تَقَاتَلُوا وَاخْتَلَفُوا فَكَانَ تَفْرِيقًا بَيْنَهُمْ وَإِنَّمَا لا ينت جُهْدِي.

وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْحِجَازِيُّ بِلَحْيَتِي بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ.

وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ شَدِيدَ الْغَضَبِ لِلَّهِ وَلِدِينِهِ، وَلَمَّا رَأَى قَوْمَهُ عَبَدُوا عِجْلًا مِنْ دُونِ اللَّهِ بَعْدَ مَا شَاهَدُوا مِنَ الْآيَاتِ الْعِظَامِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ أَقْبَلَ عَلَى أَخِيهِ قَابِضًا عَلَى شَعْرِ رَأْسِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ وَعَلَى شَعْرِ وَجْهِهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ فَأَبْدَى عُذْرَهُ فَإِنَّهُ لَوْ قَاتَلَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَتّفَرَّقُوا وَتَفَانَوْا، فَانْتَظَرَتُكَ لِتَكُونَ المتدارك لَهُمْ، وَخَشِيتُ عِتَابَكَ عَلَى اطِّرَاحِ مَا وَصَّيْتَنِي بِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ابْنَ أُمَّ قِرَاءَةً وَإِعْرَابًا وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَقَرَأَ أبو جعفر ولم ترقب بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُضَارِعُ أَرْقُبُ.

وَلَمَّا اعْتَذَرَ لَهُ أَخُوهُ رَجَعَ إِلَى مُخَاطَبَةِ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي الضَّلَالِ وَهُوَ السَّامِرِيُّ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْخَطْبِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فَما خَطْبُكَ كَمَا تَقُولُ مَا شَأْنُكَ وَمَا أَمْرُكَ، لَكِنَّ لَفْظَةَ الْخَطْبِ تَقْتَضِي انْتِهَارًا لِأَنَّ الْخَطْبَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَكَارِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا نَحْسُكَ وَمَا شُؤْمُكَ، وَمَا هَذَا الْخَطْبُ الَّذِي جَاءَ مِنْ قِبَلَكَ انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ قَالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ «٣» وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ لِمَلَائِكَةِ اللَّهِ فَلَيْسَ هَذَا يَقْتَضِي انْتِهَارًا وَلَا شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خَطْبٌ مَصْدَرُ خَطَبَ الأمر إذا طلبه،


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٢.
(٢) سورة الأعراف: ٧/ ١٤٢.
(٣) سورة الحجر: ١٥/ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>