للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ، وَالْمُرَادُ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ تَخْتَلِفُ فِيهِ أَضْلَاعُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ: هُوَ الضَّيِّقُ فِي الْآخِرَةِ فِي جَهَنَّمَ فَإِنَّ طَعَامَهُمْ فِيهَا الضَّرِيعُ وَالزَّقُّومُ وَشَرَابَهُمُ الْحَمِيمُ وَالْغِسْلِينُ، وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ مَعِيشَةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُوقِنٍ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: يُسْلَبُ الْقَنَاعَةَ حَتَّى لَا يَشْبَعَ.

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ كَانَ مُتَّسِعَ الْحَالِ وَالْمَالِ فَمَعَهُ مِنَ الْحِرْصِ وَالْأَمَلِ وَالتَّعْذِيبِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَالرَّغْبَةِ وَامْتِنَاعِ صَفَاءِ الْعَيْشِ لِذَلِكَ مَا تَصِيرُ مَعِيشَتُهُ ضَنْكًا وَقَالَتْ فِرْقَةٌ ضَنْكاً بِأَكْلِ الْحَرَامِ.

وَيُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى وَقَوْلُهُ: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى «١» فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ نَوْعًا مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى، وَحَسَّنَ قَوْلَ الْجُمْهُورِ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَعَ الدِّينِ التَّسْلِيمَ وَالْقَنَاعَةَ وَالتَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى قِسْمَتِهِ، فَصَاحِبُهُ يُنْفِقُ مَا رَزَقَهُ بِسَمَاحٍ وَسُهُولَةٍ فَيَعِيشُ عَيْشًا طَيِّبًا كَمَا قَالَ تعالى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً «٢» وَالْمُعْرِضُ عَنِ الدِّينِ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ الْحِرْصُ الَّذِي لَا يَزَالُ يُطِيحُ بِهِ إِلَى الِازْدِيَادِ مِنَ الدُّنْيَا مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ الشُّحُّ الَّذِي يَقْبِضُ يَدَهُ عَنِ الْإِنْفَاقِ، فَعَيْشُهُ ضَنْكٌ وَحَالُهُ مُظْلِمَةٌ انْتَهَى.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ ضَنْكِي بِأَلِفِ التَّأْنِيثِ وَلَا تَنْوِينَ وَبِالْإِمَالَةِ بِنَاؤُهُ صِفَةٌ عَلَى فَعَلَى مَنِ الضَّنْكِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ضَنْكاً بِالتَّنْوِينِ وَفَتْحَةُ الْكَافِ فَتْحَةُ إِعْرَابٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَنَحْشُرُهُ بِالنُّونِ، وَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ بِسُكُونِ الرَّاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَخْفِيفًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَزْمًا بِالْعَطْفِ عَلَى مَوْضِعِ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً لِأَنَّهُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي تَكُنْ لَهُ مَعِيشَةٌ ضَنْكٌ وَنَحْشُرُهُ وَمِثْلُهُ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ «٣» فِي قِرَاءَةِ مَنْ سَكَّنَ وَيَذَرْهُمْ. وَقَرَأَتْ فرقة ويحشره بالياء.

وقرىء وَيَحْشُرُهْ بِسُكُونِ الْهَاءِ عَلَى لَفْظِ الْوَقْفِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَنَقَلَ ابْنُ خَالَوَيْهِ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ وَالْأَحْسَنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى لُغَةِ بَنِي كِلَابٍ وَعُقَيْلٍ فَإِنَّهُمْ يُسَكِّنُونَ مِثْلَ هَذِهِ الهاء. وقرىء لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ «٤» وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ أَعْمى الْمُرَادُ بِهِ عمى البصر كما


(١) سورة طه: ٢٠/ ١٢٧.
(٢) سورة النحل: ١٦/ ٩٧.
(٣) سورة الأعراف: ١٧/ ١٨٦.
(٤) سورة العاديات: ١٠٠/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>