للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَرِّ، التَّقْدِيرُ: فِي أَنْ يُؤْمِنُوا، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، وَفِي مَوْضِعِ جَرٍّ، عَلَى مَذْهَبِ الْخَلِيلِ وَالْكِسَائِيِّ. وَلَكُمْ: مُتَعَلِّقٌ بِيُؤْمِنُوا، عَلَى أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَامُ السَّبَبِ أَيْ أَنْ يُؤْمِنُوا لِأَجْلِ دَعْوَتِكُمْ لَهُمْ.

وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ، الفريق: قيل: هم الْأَحْبَارُ الَّذِينَ حَرَّفُوا التَّوْرَاةَ فِي صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ. وَقِيلَ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْوَحْيَ، إِذَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحرفونه، قصدا أَنْ يُدْخِلُوا فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَيَحْصُلَ التَّضَادُّ فِي أَحْكَامِهِ. وَقِيلَ: كُلُّ مَنْ حَرَّفَ حُكْمًا، أَوْ غَيَّرَهُ، كَفِعْلِهِمْ فِي آيَةِ الرَّجْمِ وَنَحْوِهَا. وَقِيلَ: هُمُ السَبْعُونَ الَّذِينَ سَمِعُوا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَلَامَ اللَّهِ، ثُمَّ بَدَّلُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ أُنْكِرَ أَنْ يَكُونُوا سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنْكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ: التِّرْمِذِيُّ، صَاحِبُ النَّوَادِرِ، وَقَالَ: إِنَّمَا خُصَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْكَلَامِ وَحْدَهُ. وَكَلَامُ اللَّهِ الَّذِي حَرَّفُوهُ، قِيلَ: هُوَ التَّوْرَاةُ، حَرَّفُوهَا بِتَبْدِيلِ أَلْفَاظٍ مِنْ تِلْقَائِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: بالتأول، مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ التَّوْرَاةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي سَمِعُوهُ عَلَى الطُّورِ. وَقِيلَ: مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: كَلِمَ اللَّهِ، جَمْعُ كَلِمَةٍ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْكَلِمَةِ: الْكَلَامُ، فَتَكُونُ الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَدْ يُرَادُ الْمُفْرَدَاتُ، فَيُحَرِّفُونَ الْمُفْرَدَاتِ، فَتَتَغَيَّرُ الْمُرَكَّبَاتُ، وَإِسْنَادُهَا بِتَغَيُّرِ الْمُفْرَدَاتِ.

ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ: التَّحْرِيفُ الَّذِي وَقَعَ، قِيلَ: فِي صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُمْ وَصَفُوهُ بِغَيْرِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَا تَقُومَ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ. وَقِيلَ: فِي صِفَتِهِ، وَفِي آيَةِ الرَّجْمِ. مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا ضَبَطُوهُ وَفَهِمُوهُ، وَلَمْ تَشْتَبِهْ عَلَيْهِمْ صِحَّتُهُ.

وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ مِنْ بَعْدِ عَقْلِهِمْ إِيَّاهُ، وَالضَّمِيرُ فِي عَقَلُوهُ عَائِدٌ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ. وَقِيلَ: مَا مَوْصُولَةٌ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَيْهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ.

وَهُمْ يَعْلَمُونَ: ومتعلق العلم محذوف، أي أَنَّهُمْ قَدْ حَرَّفُوهُ، أَوْ مَا فِي تَحْرِيفِهِ مِنَ الْعِقَابِ، أَوْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أَوْ أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ كَاذِبُونَ. وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ، وَفِي قَوْلِهِ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَاوُ الْحَالِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي الْحَالِ قَوْلَهُ:

أَفَتَطْمَعُونَ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ: أَنْ يُؤْمِنُوا. فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمَعْنَى: أَفَيَكُونُ مِنْكُمْ طَمَعٌ فِي إِيمَانِ الْيَهُودِ؟ وَأَسْلَافِهِمْ مَنْ عَادَتُهُمْ تَحْرِيفُ كَلَامِ اللَّهِ، وَهُمْ سَالِكُو سُنَنِهِمْ وَمُتَّبِعُوهُمْ فِي تَضْلِيلِهِمْ، فَيَكُونُ الْحَالُ قَيْدًا فِي الطَّمَعِ الْمُسْتَبْعَدِ، أَيْ يُسْتَبْعَدُ الطَّمَعُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>