للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكُفَّارُ أَمَرَهُ تَعَالَى بِأَنْ يَأْمُرَ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ آكَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَهُ بِالِاصْطِبَارِ عَلَى مُدَاوَمَتِهَا وَمَشَاقِّهَا وَأَنْ لَا يَشْتَغِلَ عَنْهَا، وَأَخْبَرَهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَسْأَلَهُ أَنْ يَرْزُقَ نَفْسَهُ وَأَنْ لَا يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ الرِّزْقِ وَيَدْأَبَ فِي ذَلِكَ، بَلْ أَمَرَهُ بِتَفْرِيغِ بَالِهِ لِأَمْرِ الْآخِرَةِ وَيَدْخُلُ فِي خِطَابِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّتُهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نَرْزُقُكَ بِضَمِّ الْقَافِ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ:

مِنْهُمُ وابن وَثَّابٍ بِإِدْغَامِ الْقَافِ فِي الْكَافِ وَجَاءَ ذَلِكَ عَنْ يَعْقُوبَ. قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ:

وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَبُو عَمْرٍو مِنْ إِدْغَامِ مِثْلِهِ بَعْدَ إِدْغَامِهِ نَرْزُقُكُمْ وَنَحْوَهَا لِحُلُولِ الْكَافِ مِنْهُ طَرَفًا وَهُوَ حَرْفُ وَقْفٍ، فَلَوْ حُرِّكَ وَقْفًا لَكَانَ وُقُوفُهُ عَلَى حَرَكَةٍ وَكَانَ خُرُوجًا عَنْ كَلَامِهِمْ. وَلَوْ أَشَارَ إِلَى الْفَتْحِ لَكَانَ الْفَتْحُ أَخَفَّ مِنْ أَنْ يَتَبَعَّضَ بَلْ خُرُوجُ بَعْضِهِ كَخُرُوجِ كُلِّهِ، وَلَوْ سَكَّنَ لَأَجْحَفَ بِحَرْفٍ. وَلَعَلَّ مَنْ أَدْغَمَ ذَهَبَ مَذْهَبَ مَنْ يَقُولُ جَعْفَرٌ وَعَامِرٌ وَتَفَعَّلَ فَيُشَدَّدُ وَقْفًا أَوْ أُدْغِمَ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَقِفَ بِحَالٍ فَيَصِيرُ الطَّرَفُ كَالْحَشْوِ انْتَهَى.

والْعاقِبَةُ أَيِ الْحَمِيدَةُ أَوْ حُسْنُ الْعَاقِبَةِ لِأَهْلِ التَّقْوَى وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ هَذِهِ عَادَتُهُمْ فِي اقْتِرَاحِ الْآيَاتِ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْسَ بِآيَاتٍ، فَاقْتَرَحُوا هُمْ مَا يَخْتَارُونَ عَلَى دَيْدَنِهِمْ فِي التَّعَنُّتِ فَأُجِيبُوا بِقَوْلِهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى أَيِ القرآن الذي سبق التبشير به وَبِإِيحَائِي مِنَ الرُّسُلِ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ السَّابِقَةِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ، وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ الْآيَاتِ فِي الْإِعْجَازِ وَهِيَ الْآيَةُ الْبَاقِيَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَفِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ تَوْبِيخٌ لَهُمْ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ تَأْتِهِمْ بِالتَّاءِ عَلَى لَفْظِ بَيِّنَةٍ.

وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ وَأَبُو بَحْرِيَّةَ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَطَلْحَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ مناذر وخلف وأبو عُبَيْدَةَ وَابْنُ سَعْدَانَ وَابْنُ عِيسَى وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ يَأْتِهِمْ بِالْيَاءِ لِمَجَازِ تَأْنِيثِ الْآيَةِ وَالْفَصْلِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِإِضَافَةِ بَيِّنَةُ إِلَى مَا وَفِرْقَةٌ مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِالتَّنْوِينِ وما بَدَلٌ. قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا نَفْيًا وَأُرِيدَ بِذَلِكَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ النَّاسِخِ وَالْفَصْلُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ بِنَصْبِ بَيِّنَةُ والتنوين وما فاعل بتأتهم وبَيِّنَةُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، فَمَنْ قَرَأَ يَأْتِهِمْ بِالْيَاءِ فَعَلَى لَفْظِ مَا وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ رَاعَى الْمَعْنَى لِأَنَّهُ أَشْيَاءُ مُخْتَلِفَةٌ وَعُلُومُ مَنْ مَضَى وَمَا شَاءَ اللَّهُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فِي الصُّحُفِ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفِرْقَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِإِسْكَانِهَا وَالضَّمِيُرُ فِي ضَمِنَ قَبْلَهُ يَعُودُ عَلَى الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبُرْهَانِ، وَالدَّلِيلُ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ: لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا وَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ قَبْلَ إِرْسَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>