للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ.

هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ: الْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَّلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي أَي مِنْ قَدِيمِ مَا حَفِظْتُ وَكَسَبْتُ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْمَالِ التِّلَادِ.

وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا «١» قَالَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ:

مُحَمَّدٌ يُهَدِّدُنَا بِالْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ صَحَّ فَفِيهِ بُعْدٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ، واقْتَرَبَ افْتَعَلَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ قَرُبَ كَمَا تَقُولُ: ارْتَقَبَ وَرَقَبَ. وَقِيلَ: هُوَ أَبْلَغُ مِنْ قَرُبَ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي فِي الْبِنَاءِ. وَالنَّاسُ مُشْرِكُو مَكَّةَ.

وَقِيلَ: عَامٌّ فِي مُنْكِرِي الْبَعْثِ، وَاقْتِرَابُ الْحِسَابِ اقْتِرَابُ وَقْتِهِ وَالْحِسَابُ فِي اللُّغَةِ إِخْرَاجُ الْكَمِّيَّةِ مِنْ مَبْلَغِ الْعَدَدِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَحْسُوبِ وَجَعَلَ ذَلِكَ اقْتِرَابًا لِأَنَّ كُلُّ مَا هُوَ آتٍ وَإِنْ طَالَ وَقْتُ انْتِظَارِهِ قَرِيبٌ، وَإِنَّمَا الْبَعِيدُ هُوَ الَّذِي انْقَرَضَ أَوْ هُوَ مُقْتَرِبٌ عِنْدَ اللَّهِ كَقَوْلِهِ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ «٢» أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ أَقْصَرُ وَأَقَلُّ مِمَّا مَضَى.

وَفِي الْحَدِيثِ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» .

قَالَ الشَّاعِرُ:

فَمَا زَالَ مَنْ يَهْوَاهُ أَقْرَبَ مِنْ غَدِ ... وَمَا زَالَ مَنْ يَخْشَاهُ أَبْعَدَ مِنْ أَمْسِ

ولِلنَّاسِ مُتَعَلِّقٌ بِاقْتَرَبَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذِهِ اللَّامُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ صِلَةً لَاقْتَرَبَ، أَوْ تَأْكِيدًا لِإِضَافَةِ الْحِسَابِ إِلَيْهِمْ كَمَا تَقُولُ أَزُفُّ لِلْحَيِّ رَحِيلَهُمْ، الْأَصْلُ أَزُفُّ رَحِيلَ الْحَيِّ ثُمَّ أَزُفُّ لِلْحَيِّ رَحِيلَهُمْ وَنَحْوُهُ مَا أَوْرَدَهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ مَا يُثَنَّى فِيهِ الْمُسْتَقِرُّ تَوْكِيدًا عَلَيْكَ زِيدٌ حَرِيصٌ عَلَيْكَ، وَفِيكَ زَيْدٌ رَاغِبٌ فِيكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَا أَبَا لَكَ لِأَنَّ اللَّامَ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى الْإِضَافَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَغْرَبُ مِنَ الْأَوَّلِ انْتَهَى يَعْنِي بِقَوْلِهِ صِلَةٌ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِاقْتَرَبَ، وَأَمَّا جَعْلُهُ اللَّامَ تَأْكِيدًا لِإِضَافَةِ الْحِسَابِ إِلَيْهِمْ مَعَ تَقَدُّمِ اللَّامِ وَدُخُولِهَا عَلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَيَحْتَاجُ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا بحسابهم


(١) سورة طه: ٢٠/ ١٣٥.
(٢) سورة الحج: ٢٢/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>