أَهْلِ الذِّكْرِ. وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا مِنْ أَهْلِ الذِّكْرِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ أَهْلَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا خُصُومَهُمْ انْتَهَى. وَقِيلَ أَهْلَ الذِّكْرِ هُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ. وَقِيلَ: أَهْلُ الْعِلْمِ بِالسَّيْرِ وَقِصَصِ الْأُمَمِ الْبَائِدَةِ وَالْقُرُونِ السَّالِفَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَفْحَصُونَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِذَا كَانَ أَهْلَ الذِّكْرِ أُرِيدَ بِهِمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ لَمَّا بَلَغَ خَبَرُهُمْ حَدَّ التَّوَاتُرِ جَازَ أَنْ يُسْأَلُوا وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُمْ كُفَّارًا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يُوحَى مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ وَحَفْصٌ نُوحِي بِالنُّونِ وَكَسْرِ الحاء والجسد يَقَعُ عَلَى مَا لَا يَتَغَذَّى مِنَ الْجَمَادِ. وَقِيلَ: يقع على المتغذي وَغَيْرِهِ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ النَّفْيُ قَدْ وَقَعَ عَلَى الْجَسَدِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مُثْبَتًا، وَالنَّفْيُ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى صِفَتِهِ وَوَحَّدَ الْجَسَدَ لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ كَأَنَّهُ قَالَ: ذَوِي ضَرْبٍ مِنَ الْأَجْسَادِ، وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لِأَنَّ الْبَشَرِيَّةَ تَقْتَضِي الْجِسْمِيَّةَ الْحَيَوَانِيَّةَ، وَهَذِهِ لَا بُدَّ لَهَا مَنْ مَادَّةٍ تَقُومُ بِهَا، وَقَدْ خَرَجُوا بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ، وَلَمَّا أَثْبَتَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَجْسَادًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ بَيَّنَ أَنَّهُمْ مَآلُهُمْ إِلَى الْفَنَاءِ وَالنَّفَادِ، وَنَفَى عَنْهُمُ الْخُلُودَ وَهُوَ الْبَقَاءُ السَّرْمَدِيُّ أَوِ الْبَقَاءُ الْمُدَّةَ الْمُتَطَاوِلَةَ أَيْ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ بَشَرٌ أَجْسَادٌ يُطْعَمُونَ وَيَمُوتُونَ كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ، وَالَّذِي صَارُوا بِهِ رُسُلًا هُوَ ظُهُورُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَعِصْمَتُهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ الْقَادِحَةِ فِي التَّبْلِيغِ وَغَيْرِهِ.
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ ذَكَرَ تَعَالَى سِيرَتَهُ مَعَ أَنْبِيَائِهِ فَكَذَلِكَ يَصْدُقُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصْرِ وَظُهُورِ الْكَلِمَةِ، فَهَذِهِ عِدَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ووعيد للكافرين وصَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ مِنْ بَابِ اخْتَارَ وَهُوَ مَا يَتَعَدَّى الْفِعْلُ فِيهِ إِلَى وَاحِدٍ وَإِلَى الْآخَرِ بِحَرْفِ جَرٍّ، وَيَجُوزُ حَذْفُ ذَلِكَ الْحَرْفِ أَيْ فِي الْوَعْدَ وَهُوَ بَابٌ لَا يَنْقَاسُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنَّمَا يُحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ أَفْعَالٌ قَلِيلَةٌ ذُكِرَتْ فِي النَّحْوِ وَنَظِيرُ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ قَوْلُهُمْ: صَدَقُوهُمُ الْقِتَالَ وَصَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ وَصَدَقْتُ زَيْدًا الحديث ومَنْ نَشاءُ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَالْمُسْرِفُونَ هُمُ الْكُفَّارُ الْمُفْرِطُونَ فِي غَيِّهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ الْإِيمَانَ فَهُوَ مُفَرِّطٌ مُسْرِفٌ وَإِنْجَاؤُهُمْ مِنْ شَرِّ أَعْدَائِهِمْ وَمِنَ الْعَذَابِ الَّذِي نَزَلَ بِأَعْدَائِهِمْ.
وَلَمَّا تَوَعَّدَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِوَعْدِهِ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ وَالْكِتَابُ هُوَ الْقُرْآنُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ذِكْرُكُمْ شَرَفُكُمْ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَعَنِ الْحَسَنِ ذِكْرُ دِينِكُمْ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِيهِ حَدِيثُكُمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute