للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ الْحَسَنُ: لَا يُسَلُ وَيُسَلُونَ بِفَتْحِ السِّينِ نَقَلَ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ إِلَى السِّينِ وَحَذَفَ الْهَمْزَةَ.

ثُمَّ كَرَّرَ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْإِنْكَارَ وَالتَّوْبِيخَ فَقَالَ: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً اسْتِفْظَاعًا لِشَأْنِهِمْ وَاسْتِعْظَامًا لِكُفْرِهِمْ، وَزَادَ فِي هَذَا التَّوْبِيخِ قَوْلُهُ مِنْ دُونِهِ فَكَأَنَّهُ وَبَّخَهُمْ عَلَى قَصْدِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْحُجَّةِ عَلَى مَا اتَّخَذُوا وَلَا حُجَّةَ تَقُومُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرِيكًا لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، بَلْ كُتُبُ اللَّهِ السَّابِقَةُ شَاهِدَةٌ بِتَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ كَمَا فِي الْوَحْيِ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ أَيْ عِظَةٌ لِلَّذِينَ مَعِي وَهُمْ أُمَّتُهُ وَذِكْرُ لِلَّذِينَ مَنْ قَبْلِي وَهُمْ أُمَمُ الْأَنْبِيَاءِ، فَالذِّكْرُ هُنَا مُرَادٌ بِهِ الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الْقُرْآنِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ ذِكْرُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَذِكْرُ الْآخِرِينَ بِالدَّعْوَةِ وَبَيَانِ الشَّرْعِ لَهُمْ، وَذِكْرُ الْأَوَّلِينَ بِقَصِّ أَخْبَارِهِمْ وَذِكْرِ الْغُيُوبِ فِي أُمُورِهِمْ. وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا عَرْضُ الْقُرْآنِ فِي مَعْرِضِ الْبُرْهَانِ أَيْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَهَذَا بُرْهَانِي فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِإِضَافَةِ ذِكْرُ إِلَى مِنْ فِيهِمَا عَلَى إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ «١» .

وقرىء بتنوين ذِكْرُ فيهما ومِنْ مَفْعُولٌ مَنْصُوبٌ بِالذِّكْرِ كَقَوْلِهِ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً «٢» وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَطَلْحَةُ بِتَنْوِينٍ ذِكْرُ فِيهِمَا وَكَسْرِ مِيمِ مِنْ فِيهِمَا، وَمَعْنَى مَعِيَ هُنَا عِنْدِي، وَالْمَعْنَى هَذَا ذِكْرُ مَنْ عِنْدِي ومَنْ قَبْلِي أَيْ أُذَكِّرُكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي عِنْدِي كَمَا ذَكَّرَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي أُمَمَهُمْ، وَدُخُولُ مِنْ عَلَى مَعَ نَادِرٌ، وَلَكِنَّهُ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى الصُّحْبَةِ وَالِاجْتِمَاعِ أُجْرِيَ مَجْرَى الظَّرْفِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَمَا دَخَلَتْ عَلَى قَبْلُ وَبَعْدُ وَعِنْدَ، وَضَعَّفَ أَبُو حَاتِمٍ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لِدُخُولِ مِنْ عَلَى مَعَ وَلَمْ يَرَ لَهَا وَجْهًا. وَعَنْ طَلْحَةَ ذِكْرُ مُنَوَّنًا مَعِيَ دُونَ مِنْ وَذِكْرُ مُنَوَّنًا قَبْلِي دُونَ مِنْ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ وَذِكْرُ مَنْ بِالْإِضَافَةِ وَذِكْرُ مُنَوَّنًا مَنْ قَبْلِي بِكَسْرِ مِيمِ مِنْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْحَقَّ بِالنَّصْبِ وَالظَّاهِرُ نَصْبَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فَلَا يَعْلَمُونَ أَيْ أَصْلَ شَرِّهِمْ وَفَسَادِهِمْ هُوَ الْجَهْلُ وَعَدَمُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْصُوبُ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى التَّوْكِيدِ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ كَمَا تَقُولُ: هَذَا عَبْدُ الله الحق لا الْبَاطِلُ، فَأَكَّدَ نِسْبَةَ انْتِفَاءِ العلم عنهم،


(١) سورة ص: ٣٨: ٢٤.
(٢) سورة البلد: ٩٠/ ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>