للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْوِي الْآيَاتِ كُلَّهَا، وَيَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الْجَمْعَ فَجَعَلَهَا اسْمَ الْجِنْسِ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةُ مَا فِي السَّمَاءِ مِنَ الْآيَاتِ. وَالْمَعْنَى وَهُمْ عَنْ الِاعْتِبَارِ بِآيَاتِهَا مُعْرِضُونَ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُمْ يَتَفَطَّنُونَ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مِنَ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَاوِيَّةِ كَالِاسْتِضَاءَةِ بِقَمَرَيْهَا وَالِاهْتِدَاءِ بِكَوَاكِبِهَا وَحَيَاةِ الْأَرْضِ وَالْحَيَوَانِ بِأَمْطَارِهَا وَهُمْ عَنْ كَوْنِهَا آيَةً بَيِّنَةً عَلَى الْخَالِقِ مُعْرِضُونَ.

وَالتَّنْوِينُ فِي كُلٌّ عِوَضٌ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَالْفَلَكُ الْجِسْمُ الدَّائِرُ دَوْرَةَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: الْفَلَكُ السَّمَاءُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْفَلَكُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ تَحْتَ السَّمَاءِ تَجْرِي فِيهِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَلَكُ اسْتِدَارَةٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَدُورُ بِالنُّجُومِ مَعَ ثُبُوتِ السَّمَاءِ. وَقِيلَ: الْفَلَكُ الْقُطْبُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ النُّجُومُ وَهُوَ قُطْبُ الشَّمَالِ. وَقِيلَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّيَّارَاتِ فَلَكٌ، وَفَلَكُ الْأَفْلَاكِ يُحَرِّكُهَا حَرَكَةً وَاحِدَةً مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْفَلَكُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَدَارُ هَذِهِ النُّجُومِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جِسْمٌ وَفِيهِ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا يَسْبَحُ فِي فَلَكٍ وَاحِدٍ. قِيلَ:

وَلِكُلِّ وَاحِدٍ فَلَكٌ يَخُصُّهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: كَسَاهُمُ الْأَمِيرُ حُلَّةً أَيْ كَسَى كُلَّ وَاحِدٍ، وَجَاءَ يَسْبَحُونَ بِوَاوِ الْجَمْعِ الْعَاقِلِ، فَأَمَّا الْجَمْعُ فَقِيلَ ثَمَّ مَعْطُوفٌ مَحْذُوفٌ وَهُوَ وَالنُّجُومُ، وَلِذَلِكَ عَادَ الضَّمِيرُ مَجْمُوعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْطُوفٌ مَحْذُوفٌ لَكَانَ يَسْبَحَانِ مُثَنًّى.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الضَّمِيرُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا جِنْسُ الطَّوَالِعِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جَعَلُوهَا مُتَكَاثِرَةً لِتَكَاثُرِ مَطَالِعِهَا وَهُوَ السَّبَبُ فِي جَمْعِهَا بِالشُّمُوسِ وَالْأَقْمَارِ، وَإِلَّا فَالشَّمْسُ وَاحِدَةٌ وَالْقَمَرُ وَاحِدٌ انْتَهَى. وَحَسَّنَ ذَلِكَ كَوْنُهُ جَاءَ فَاصِلَةَ رَأْسِ آيَةٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ ضَمِيرَ مَنْ يَعْقِلُ وَلَمْ يَكُنِ التَّرْكِيبُ يُسَبِّحْنَ. فَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَمَّا كَانَتِ السِّبَاحَةُ مِنْ أَفْعَالِ الْآدَمِيِّينَ جَاءَ مَا أُسْنِدَ إليهما مجموعا مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «١» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ:

وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ سِينَا سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهَا عِنْدَهُ تَعْقِلُ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافَ إِخْبَارٍ فَلَا مَحَلَّ لَهَا، أَوْ مَحَلُّهَا النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَتَّصِفَانِ بِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ فِي فَلَكٍ فَهُوَ كَقَوْلِكَ: رَأَيْتُ زَيْدًا وَهِنْدًا مُتَبَرِّجَةً وَالسِّبَاحَةُ: الْعَوْمُ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ هُمَا اللَّذَانِ يَجْرِيَانِ فِي الْفَلَكِ، وَأَنَّ الْفَلَكَ لا يجري.


(١) سورة يوسف: ١٢/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>