حَسَرْتُ كَفِّي عَنِ السِّرْبَالِ آخُذُهُ وَقَالَ مُجَاهِد وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ الْإِنْسانُ هُنَا آدَمُ.
قَالَ مُجَاهِد: لَمَّا دَخَلَ الرُّوحُ رَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ رَأَى الشَّمْسَ قَارَبَتِ الْغُرُوبَ فَقَالَ: يَا رَبِّ عَجِّلْ تَمَامَ خَلْقِي قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: لَمَّا بَلَغَتِ الرُّوحُ رُكْبَتَيْهِ كَادَ يَقُومُ فَقَالَ اللَّهُ خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَجَلَةٍ فِي خَلْقِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ مِنْ عَجَلٍ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُ كُنْ فَكَانَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنْ عَجَلٍ أَيْ ضَعِيفٍ يَعْنِي النُّطْفَةَ. وَقِيلَ: خُلِقَ بِسُرْعَةٍ وَتَعْجِيلٍ عَلَى غَيْرِ تريب الْآدَمِيِّينَ مِنَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ، وَهَذَا يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْأَخْفَشِ. وَقِيلَ: مِنْ عَجَلٍ مِنْ طِينٍ وَالْعَجَلُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ الطِّينُ. وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِبَعْضِ الْحِمْيَرِيِّينَ:
النَّبْعُ فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ مَنْبَتُهُ ... وَالنَّخْلُ مَنْبَتُهُ فِي الْمَاءِ وَالْعَجَلِ
وَقِيلَ: الْإِنْسانُ هُنَا النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَيْهِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ آخِرَهَا. وَالْآيَاتُ هُنَا قِيلَ: الْهَلَاكُ الْمُعَجَّلُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ يَأْتِيكُمْ فِي وَقْتِهِ. وَقِيلَ: أَدِلَّةُ التَّوْحِيدِ وَصِدْقِ الرَّسُولِ. وَقِيلَ: آثَارُ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ بِالشَّامِ وَالْيَمَنِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَلْيَقُ أي سيأتي ما يسوؤكم إِذَا دُمْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ نَهَاهُمْ عَنِ الِاسْتِعْجَالِ مَعَ قَوْلِهِ خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ وَقَوْلِهِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا «١» أَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ؟ قُلْتُ: هَذَا كَمَا رُكِّبَ فِيهِ مِنَ الشَّهْوَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْلِبَهَا لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْقُدْرَةَ الَّتِي يَسْتَطِيعُ بِهَا قَمْعَ الشَّهْوَةِ وَتَرْكَ الْعَجَلَةِ انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِزَالِ.
وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيدٌ وَابْنُ مِقْسَمٍ خُلِقَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ الْإِنْسانُ بِالنَّصْبِ أَيْ خُلِقَ اللَّهُ الْإِنْسانُ وَقَوْلُهُ مَتى هذَا الْوَعْدُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى جِهَةِ الْهُزْءِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَعَّدُونَهُمْ على لسان الشرع ومَتى فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ لِهَذَا فموضعه دفع، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ مَوْضِعَ مَتى نَصْبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَالْعَامِلُ فِيهِ فِعْلٌ مُقَدَّرٌ تَقْدِيرُهُ يَكُونُ أَوْ يَجِيءُ، وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَحَذْفُهُ أَبْلَغُ وَأَهْيَبُ مِنَ النَّصِّ عَلَيْهِ فَقَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ لَمَّا اسْتَعْجَلُوا وَنَحْوَهُ، وَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ لَمَّا كَانُوا بِتِلْكَ الصِّفَةِ مِنَ الْكُفْرِ
(١) سورة الإسراء: ١٧/ ١١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute