للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْفَظُكُمْ مِنْهُ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ. وَفِي آخِرِ الْكَلَامِ تَقْدِيرُ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَانِعٌ وَلَا كالىء، وَعَلَى هَذَا النَّفْيِ تَرْكِيبُ بَلْ فِي قَوْلِهِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَلْ هُمْ مُعْرِضُونَ عَنْ ذِكْرِهِ لَا يُخْطِرُونَهُ بِبَالِهِمْ فَضْلًا أَنْ يَخَافُوا بَأْسَهُ حَتَّى إِذَا رُزِقُوا الْكِلَاءَةَ مِنْهُ عَرَفُوا مَنِ الْكَالِئُ وَصَلَحُوا لِلسُّؤَالِ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَمَرَ رَسُولَهُ بِسُؤَالِهِمْ عَنِ الْكَالِئِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَصْلُحُونَ لِذَلِكَ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ ذِكْرِ مَنْ يَكْلَؤُهُمْ انْتَهَى. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالزُّهْرِيُّ وَشَيْبَةُ: يَكْلُوكُمْ بِضَمَّةٍ خَفِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ يَكْلُوكُمْ بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ.

أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ بِمَعْنَى بَلْ، وَالْهَمْزَةُ كَأَنَّهُ قِيلَ بَلْ أَلَهُمْ آلِهَةٌ فَأَضْرَبَ ثُمَّ اسْتَفْهَمَ تَمْنَعُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ مِنْ دُونِنا مُتَعَلِّقٌ بِتَمْنَعُهُمْ انْتَهَى. قِيلَ: وَالْمَعْنَى أَلْهُمْ آلِهَةٌ تَجْعَلُهُمْ فِي مَنَعَةٍ وَعِزٍّ مِنْ أَنْ يَنَالَهُمْ مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَتِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ مِنْ دُونِنَا تَمْنَعُهُمْ تَقُولُ: مَنَعْتُ دُونَهُ كَفَفْتُ أَذَاهُ فَمِنْ دُونِنَا هُوَ مِنْ صِلَةٍ آلِهَةٌ أَيْ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ دُونَنَا أَوْ مِنْ صِلَةٍ تَمْنَعُهُمْ أَيْ أَمْ لَهُمْ مَانِعٌ مِنْ سِوَانَا. ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْإِخْبَارَ عَنْ آلِهَتِهِمْ فَبَيَّنَ أَنَّ مَا لَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى نَصْرِ نَفْسِهِ وَمَنْعِهَا وَلَا بِمَصْحُوبٍ مِنَ اللَّهِ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ كَيْفَ يَمْنَعُ غَيْرَهُ وَيَنْصُرُهُ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصْحَبُونَ يُمْنَعُونَ. وَقَالَ مُجَاهِد: يُنْصُرُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يُصْحَبُونَ مِنَ اللَّهِ بِخَيْرٍ.

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ مُتَعَوِّذًا ... لِيُصْحَبَ مِنَّا وَالرِّمَاحُ دَوَانِ

وَقَالَ مُجَاهِد: يُحْفَظُونَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا يَصْحَبُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُمْ، وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرَ فِي وَلا هُمْ عَلَى الْأَصْنَامِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. وَقِيلَ: عَلَى الْكُفَّارِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي التَّحْرِيرِ مَدَارُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ يَعْنِي يُصْحَبُونَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ صَحِبَ يَصْحَبُ، وَالثَّانِي مِنَ الْإِصْحَابِ أَصْحَبَ الرَّجُلَ مَنَعَهُ مِنَ الْآفَاتِ.

بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا مَا يُنْذَرُونَ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>