وَلِظُهُورِهِ تَكَرَّرَ هَذَا الدَّلِيلُ في القرآن والْماءَ مَاءُ الْمَطَرِ وَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالسَّوَانِي وَاهْتِزَازُهَا تَخَلْخُلُهَا وَاضْطِرَابُ بَعْضِ أَجْسَامِهَا لِأَجْلِ خُرُوجِ النَّبَاتِ وَرَبَتْ أَيْ زَادَتْ وَانْتَفَخَتْ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَخَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ وَرَبَأَتْ بِالْهَمْزِ هُنَا وَفِي فُصِّلَتْ أَيِ ارْتَفَعَتْ وَأَشْرَفَتْ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَرْبَأُ بِنَفْسِهِ عَنْ كَذَا: أَيْ يَرْتَفِعُ بِهَا عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَوَجْهُهُا أَنْ يَكُونَ مِنْ رَبَأْتُ الْقَوْمَ إِذَا عَلَوْتُ شَرَفًا مِنَ الْأَرْضِ طَلِيعَةً فَكَانَ الْأَرْضُ بِالْمَاءِ تَتَطَاوَلُ وَتَعْلُو انْتَهَى. وَيُقَالُ رَبِيءٌ وَرَبِيئَةٌ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بَعَثْنَا ربيئا قبل ذلك مخملا ... كَذِئْبِ الْغَضَا يَمْشِي الضَّرَاءَ وَيَتَّقِي
ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ خُلُقِ بَنِي آدَمَ وَتَطَوُّرِهِمْ فِي تِلْكَ الْمَرَاتِبِ، وَمِنْ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ حَاصِلٌ بِهَذَا وَهُوَ حَقِيقَتُهُ تَعَالَى فه الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ الْقَادِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَعَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ وَقَدْ وَعَدَ بِالْبَعْثِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كِيَانِهِ. وَقَوْلُهُ وَأَنَّ السَّاعَةَ إِلَى آخِرِهِ توكيد لقوله وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَيْسَ دَاخِلًا فِي سَبَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى أَنَّهُ الَّذِي يَلِيهِ، فَيَكُونُ عَلَى تَقْدِيرٍ. وَالْأَمْرُ أَنَّ السَّاعَةَ وَذَلِكَ مُبْتَدَأٌ وَبِأَنَّ الْخَبَرَ. وَقِيلَ ذَلِكَ مَنْصُوبٌ بِمُضْمَرٍ أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَما لَا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ.
الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُجَادِلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ الْمُجَادِلِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيقٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَبِي جَهْلٍ. وَقِيلَ: الْأُولَى فِي الْمُقَلِّدِينَ وَهَذِهِ فِي الْمُقَلِّدِينَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا وَالَّتِي قَبْلَهَا فِي النَّضْرِ كُرِّرَتْ مُبَالَغَةً فِي الذَّمِّ، وَلِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى زِيَادَةٍ لَيْسَتْ فِي الْأُخْرَى. وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute