يُمْكِنُ التَّبْعِيضُ فِيهَا بِأَنْ يَعْنِيَ بِالرِّجْسِ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَاجْتَنِبُوا مِنَ الْأَوْثَانِ الرِّجْسَ وَهُوَ الْعِبَادَةُ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنَ الْأَوْثَانِ إِنَّمَا هُوَ الْعِبَادَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ اسْتِعْمَالُ الْوَثَنِ فِي بِنَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُحَرِّمُهُ الشَّرْعُ؟
فَكَأَنَّ لِلْوَثَنِ جِهَاتٍ مِنْهَا عِبَادَتُهَا، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِاجْتِنَابِهِ وَعِبَادَتُهَا بَعْضُ جِهَاتِهَا، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الزُّورِ مُعَادِلًا لِلْكُفْرِ لَمْ يُعْطَفْ عَلَى الرِّجْسِ بَلْ أُفْرِدَ بِأَنْ كَرَّرَ لَهُ الْعَامِلَ اعْتِنَاءً بِاجْتِنَابِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالشِّرْكِ» .
وَلَمَّا أَمَرَ بِاجْتِنَابِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَقَوْلِ الزُّورِ ضَرَبَ مَثَلًا لِلْمُشْرِكِ فَقَالَ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ الْآيَةَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ فِي هَذَا التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُرَكَّبِ وَالْمُفَرَّقِ، فَإِنْ كَانَ تَشْبِيهًا مُرَكَّبًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ إِهْلَاكًا لَيْسَ بَعْدَهُ بِأَنْ صَوَّرَ حَالَهُ بِصُورَةِ حَالِ مَنْ خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ فتفرق مرعا فِي حَوَاصِلِهَا، وَعَصَفَتْ بِهِ الرِّيحُ حَتَّى هَوَتْ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَطَارِحِ الْبَعِيدَةِ، وَإِنْ كَانَ مُفَرَّقًا فَقَدْ شَبَّهَ الْإِيمَانَ فِي عُلُوِّهِ بِالسَّمَاءِ وَالَّذِي تَرَكَ الْإِيمَانَ وَأَشْرَكَ بِاللَّهِ بِالسَّاقِطِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْإِهْوَاءُ الَّتِي تُنَازِعُ أَوْكَارَهُ بِالطَّيْرِ الْمُخْتَطِفَةِ، وَالشَّيْطَانُ الَّذِي يُطَوِّحُ بِهِ فِي وَادِي الضَّلَالَةِ بِالرِّيحِ الَّتِي تَهْوِي مِمَّا عَصَفَتْ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَهَاوِي الْمُتْلِفَةِ انْتَهَى. وَقَرَأَ نَافِعٌ فَتَخْطَفُهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ مُشَدَّدَةً وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِسُكُونِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الطَّاءِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَالْأَعْمَشُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَالْخَاءِ وَالطَّاءِ مُشَدَّدَةً، وَعَنِ الْحَسَنِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ فَتَحَ الطَّاءَ مُشَدَّدَةً.
وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ أَيْضًا تَخُطُّهُ بِغَيْرِ فَاءٍ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ مُخَفَّفَةً. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ: الرَّيَّاحُ.
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى مَا أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ.
إِعْرَابُ ذلِكَ كَإِعْرَابِ ذلِكَ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ شَعائِرَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute