للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرىء الْقُلُوبُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ تَقْوَى وَالضَّمِيرُ فِي فِيها عَائِدٌ عَلَى الْبُدْنَ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَالْمَنَافِعُ دَرُّهَا وَنَسْلُهَا وَصُوفُهَا وَرُكُوبُ ظَهْرِهَا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَهَا وَيُوجِبَهَا هَدْيًا فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهَا. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ، وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَنَافِعُ الْهَدَايَا بَعْدَ إِيجَابِهَا وَتَسْمِيَتِهَا هَدْيًا بِأَنْ تُرْكَبُ وَيُشْرَبَ لَبَنُهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ إِلَى أَنْ تُنْحَرَ.

وَقِيلَ: إِلَى أَنْ تُشْعَرَ فَلَا تُرْكَبُ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَرَوَى أَبُو رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَجَلُ الْمُسَمَّى الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ إِلَى الْخُرُوجِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ هَذِهِ الشَّعَائِرِ إِلَى غَيْرِهَا. وَقِيلَ: الْأَجَلُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِلَى أَنْ تُنْحَرَ وَيُتَصَدَّقَ بِلُحُومِهَا ويؤكل منها.

وثُمَّ لِلتَّرَاخِي فِي الْوَقْتِ فَاسْتُعِيرَتْ لِلتَّرَاخِي فِي الْأَفْعَالِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ لَكُمْ فِي الْهَدَايَا مَنَافِعَ كَثِيرَةً فِي دُنْيَاكُمْ وَدِينِكُمْ وَإِنَّمَا يُعْبَدُ اللَّهُ بِالْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ قَالَ تَعَالَى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ «١» وَأَعْظَمُ هَذِهِ الْمَنَافِعِ وَأَبْعَدُهَا شَوْطًا فِي النَّفْعِ مَحَلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ أَيْ وُجُوبُ نَحْرِهَا، أَوْ وَقْتَ وُجُوبِ نَحْرِهَا مُنْتَهِيَةً إِلَى الْبَيْتِ كَقَوْلِهِ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ «٢» وَالْمُرَادُ نَحْرُهَا فِي الْحَرَمِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْحَرَمَ هُوَ حَرِيمُ الْبَيْتِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الِاتِّسَاعِ قَوْلُكَ: بَلَغْنَا الْبَلَدَ وَإِنَّمَا شَارَفْتُمُوهُ وَاتَّصَلَ مَسِيرُكُمْ بِحُدُودِهِ. وَقِيلَ:

الْمُرَادُ بِالشَّعَائِرِ الْمَنَاسِكُ كلها ومَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ يَأْبَاهُ انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَفَّالُ: الْهَدْيُ الْمُتَطَوِّعُ بِهِ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِ مَكَّةَ فَإِنَّ مَحِلَّهُ مَوْضِعُهُ، فَإِذَا بَلَغَ مِنًى فَهِيَ مَحِلُّهُ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَتَكَرَّرَ ثُمَّ لِتَرْتِيبِ الْجُمَلِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ هَاتَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ يَعْنِي مَنْ قَالَ مُجَاهِد وَمَنْ وَافَقَهُ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ عَطَاءٍ ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى مَوْضِعِ النَّحْرِ فَذَكَرَ الْبَيْتَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْحَرَمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْهَدْيِ وَغَيْرِهِ، وَالْأَجْلُ الرُّجُوعُ إِلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ مَحِلُّها مَأْخُوذٌ مِنْ إِحْلَالِ الْمُحْرِمِ مَعْنَاهُ، ثُمَّ أَخَّرَ هَذَا كُلَّهُ إِلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَالْبَيْتُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مُرَادٌ بِنَفْسِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ انْتَهَى.

وَالْمَنْسَكُ مَفْعَلٌ مِنْ نَسَكَ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لِلنُّسُكِ، أَيْ مَكَانَ نُسُكٍ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَكَانُ الْعِبَادَةِ مُطْلَقًا أَوِ الْعِبَادَةُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ


(١) سورة الأنفال: ٨/ ٦٧.
(٢) سورة المائدة: ٥/ ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>