للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلِهَتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيِ الَّذِينَ سَتَرُوا الْحَقَّ وَغَطُّوهُ وَهُوَ وَاضِحٌ بَيِّنٌ وَالْمُنْكَرُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ. وَنَبَّهَ عَلَى مُوجِبِ الْمُنْكِرِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَنَابَ الظَّاهِرُ مَنَابَ الْمُضْمَرِ كَأَنَّهُ قِيلَ: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ لَكِنَّهُ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِظُهُورِ الْمُنْكَرِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَالْمُنْكَرُ الْمَسَاءَةُ وَالتَّجَهُّمُ وَالْبُسُورُ وَالْبَطْشُ الدَّالُّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى سُوءِ الْمُعْتَقَدِ وَخُبْثِ السَّرِيرَةِ، لِأَنَّ الْوَجْهَ يَظْهَرُ فِيهِ التَّرَحُ وَالْفَرَحُ اللَّذَانِ مَحَلُّهُمَا الْقَلْبُ.

يَكادُونَ يَسْطُونَ أَيْ هُمْ دَهْرَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُمْ يُقَارِبُونَ ذَلِكَ طُولَ زَمَانِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ سَطْوٌ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي شَاذٍّ مِنَ الْأَوْقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَسْطُونَ يَبْسُطُونَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يَقَعُونَ بِهِمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَأْخُذُونَهُمْ أَخْذًا بِالْيَدِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ يُعْرَفُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ الْمُنْكَرُ وَوَقَعَ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ وَعِيدٌ وَتَقْرِيعٌ وَالْإِشَارَةُ إِلَى غَيْظِهِمْ عَلَى التَّالِينَ وَسَطْوِهِمْ عَلَيْهِمْ، أَوْ إِلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالْبُسُورِ بِسَبَبِ مَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ النَّارُ رَفْعٌا عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: النَّارُ، أَيْ نَارُ جَهَنَّمَ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ تَكُونَ النَّارُ مبتدأ ووَعَدَهَا الْخَبَرَ وَأَنْ يَكُونَ وَعَدَهَا حَالًا عَلَى الْإِعْرَابِ الْأَوَّلِ، وَأَنْ تَكُونَ جُمْلَةَ إِخْبَارٍ مُسْتَأْنِفَةً وَأُجِيزَ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، وَذَلِكَ فِي الْإِعْرَابِ الْأَوَّلِ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ شَرُّ خَلْقٍ فَقَالَ اللَّهُ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِمَّنْ ذَكَرْتُمْ عَلَى زَعْمِكُمْ أَهْلَ النَّارِ فَهُمْ أَنْتُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ الْأَعْشَى وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّارُ بِالنَّصْبِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَمَنْ أَجَازَ فِي الرَّفْعِ أَنْ تكون النَّارُ مبتدأ ففياسه أَنْ يُجِيزَ فِي النَّصْبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ نُوحٍ عَنْ قُتَيْبَةَ النَّارُ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ مَنْ شَرٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَعَدَهَا هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ النَّارَ بِالْكُفَّارِ أَنْ يُطْعِمَهَا إِيَّاهُمْ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهَا هل من مريد، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ هُوَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ والَّذِينَ كَفَرُوا هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ «١» .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ما


(١) سورة التوبة: ٩/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>