للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْطُ قَدْ شَمَلَهُ وَمَنْ مَعَهُ لِأَنَّهُ نَبِيُّهُمْ وَإِمَامُهُمْ وَهُمْ مُتَّبِعُوهُ فِي ذَلِكَ إِذْ هُوَ قُدْوَتُهُمْ. قَالَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِفَضْلِ النُّبُوَّةِ وَإِظْهَارِ كِبْرِيَاءِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَنَّ رُتْبَةَ تِلْكَ الْمُخَاطَبَةِ لَا يَتَرَقَّى إِلَيْهَا إِلَّا مَلَكٌ أَوْ نَبِيٌّ انْتَهَى.

ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُ بِأَنَّهُ يُنْزِلُهُ مُنْزَلًا مُبارَكاً قِيلَ وَقَالَ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّكُوبِ فِي السَّفِينَةِ.

وَقِيلَ: عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مُنْزَلًا بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا وَمَكَانًا أَيْ إِنْزَالًا أَوْ مَوْضِعَ إِنْزَالٍ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبَّانُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ أَيْ مَكَانَ نُزُولٍ إِنَّ فِي ذلِكَ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْ إِنَّ فِي مَا جَرَى عَلَى هَذِهِ أُمَّةِ نُوحٍ لِدَلَائِلَ وَعِبَرًا وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ أَيْ لَمُصِيبِينَ قَوْمَ نُوحٍ بِبَلَاءٍ عَظِيمٍ أَوْ لَمُخْتَبِرِينَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ عِبَادَنَا لِيَعْتَبِرُوا كَقَوْلِهِ وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ «١» .

ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

ذِكْرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَقِيبَ قِصَّةِ نُوحٍ، يُظْهِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ قَوْمُ هُودٍ وَالرَّسُولُ هُوَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ وَالطَّبَرِيُّ: هُمْ ثَمُودُ، وَالرَّسُولُ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلَكُوا بِالصَّيْحَةِ. وَفِي آخِرِ الْقِصَّةِ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ وَلَمْ يَأْتِ أَنَّ قَوْمَ هُودٍ هَلَكُوا بِالصَّيْحَةِ وَقِصَّةُ قَوْمِ هُودٍ جَاءَتْ فِي الْأَعْرَافِ، وَفِي هُودٍ، وَفِي الشُّعَرَاءِ بِإِثْرِ قِصَّةِ قَوْمِ نُوحٍ. وَقَالَ تَعَالَى وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ «٢» وَالْأَصْلُ فِي أَرْسَلَ أَنْ يَتَعَدَّى بِإِلَى كَإِخْوَانِهِ وَجَّهَ، وَأَنْفَذَ وَبَعَثَ وَهُنَا عُدِّيَ بِفِي، جُعِلَتِ الْأُمَّةُ مَوْضِعًا لِلْإِرْسَالِ كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:

أَرْسَلْتَ فِيهَا مصعبا ذا إقحام


(١) سورة القمر: ٥٤/ ١٥.
(٢) سورة الأعراف: ٧/ ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>