للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمُشْفِقُونَ قَالَهُ الْحَوْفِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ومِنْ فِي مِنْ خَشْيَةِ هِيَ لِبَيَانِ جِنْسِ الْإِشْفَاقِ، وَالْإِشْفَاقُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عَذَابِ الله، والآيات نعم الْقُرْآنَ وَالْعِبَرَ وَالْمَصْنُوعَاتِ الَّتِي لِلَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ نَظَرٌ. وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ نَفْيَ الْإِشْرَاكِ وَهُوَ عِبَادَتُهُمْ آلِهَتَهُمُ الَّتِي هِيَ الْأَصْنَامُ، إِذْ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ أَنْ تَقُولَ: نَحْنُ نُؤْمِنُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنُصَدِّقُ بِأَنَّهُ الْمُخْتَرِعُ الْخَالِقُ. وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِيمَانَ بِالتَّوْحِيدِ وَنَفْيَ الشِّرْكِ لِلَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ الْمُرَادُ نَفْيُ الشِّرْكِ لِلْحَقِّ وَهُوَ أَنْ يُخْلِصُوا فِي الْعِبَادَةِ لَا يُقْدَمُ عَلَيْهَا إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ وَطَلَبِ رِضْوَانِهِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا أَيْ يُعْطُونَ مَا أَعْطَوْا مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَيْ خَائِفَةٌ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ لِتَقْصِيرِهِمْ أَنَّهُمْ أَيْ وَجِلَةٌ لِأَجْلِ رُجُوعِهِمْ إِلَى اللَّهِ أَيْ خَائِفَةٌ لِأَجْلِ مَا يَتَوَقَّعُونَ مِنْ لِقَاءِ الْجَزَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَأَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ مَا بَلَغَهُ جُهْدُهُمْ. وَقَرَأَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عباس وقتادة وَالْأَعْمَشُ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا مِنَ الْإِتْيَانِ أَيْ يَفْعَلُونَ مَا فَعَلُوا

قَالَتْ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ الَّذِي يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ يَخَافُ اللَّهَ قَالَ: «لا يا ابنة الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ يَخَافُ اللَّهَ أَنْ لَا يَقْبَلَ» .

قِيلَ: وَجَلُ الْعَارِفِ مِنْ طَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَمْحُوهَا التَّوْبَةُ وَالطَّاعَةَ تُطْلَبُ التَّصْحِيحَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنُ يَجْمَعُ إِحْسَانًا وَشَفَقَةً، وَالْمُنَافِقُ يَجْمَعُ إِسَاءَةً وَأَمْنًا. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ إِنَّهُمْ بِالْكَسْرِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ تَرْتِيبُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ لِأَنَّ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى حُصُولِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ الْمُوجِبِ لِلِاحْتِرَازِ، وَالثَّانِيَةَ عَلَى تَحْصِيلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالثَّالِثَةَ عَلَى تَرْكِ الرِّيَاءِ فِي الطَّاعَةِ، وَالرَّابِعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَجْمِعَ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ يَأْتِي بِالطَّاعَاتِ مَعَ خَوْفٍ مِنَ التَّقْصِيرِ وَهُوَ نِهَايَةُ مَقَامَاتِ الصِّدِّيقِينَ انْتَهَى.

أُولئِكَ يُسارِعُونَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ الْخَيْراتِ الْمُخَافَتَةُ وَالْإِيمَانُ وَالْكَفُّ عَنِ الشِّرْكِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرَادَ يَرْغَبُونَ فِي الطَّاعَاتِ أَشَدَّ الرَّغْبَةِ فَيُبَادِرُونَهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُمْ يَتَعَجَّلُونَ فِي الدُّنْيَا الْمَنَافِعَ، وَوُجُوهَ الْإِكْرَامِ كَمَا قَالَ فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ «١» وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ «٢» لِأَنَّهُمْ إِذَا سُورِعَ بِهَا لَهُمْ فقد


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٤٨. [.....]
(٢) سورة العنكبوت ٢٩/ ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>