للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْآيَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ قَدْ حَكَاهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَبِي صَالِحٍ تَشَعَّبَ لَهُ لَفْظَةُ اتَّبَعَ وَصَعُبَ عَلَيْهِ تَرْتِيبُ الْفَسَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ لَفْظَةَ الِاتِّبَاعِ إِنَّمَا هِيَ اسْتِعَارَةٌ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ أَهْوَاؤُهُمْ يُقَرِّرُهَا الْحَقُّ، فَنَحْنُ نَجِدُ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَرَّرَ كُفْرَ أُمَمٍ وَأَهْوَاءَهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ فساد سموات، وَأَمَّا نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ فَلَوْ كَانَ طِبْقَ أَهْوَائِهِمْ لَفَسَدَ كُلُّ شَيْءٍ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى بْنُ عمرو وَيُونُسُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى أَيْضًا وَأَبُو البر هثيم وَأَبُو حَيْوَةَ وَالْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ قُطَيْبٍ وَأَبُو رَجَاءٍ بِتَاءِ الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ آتَيْنَاهُمْ بِالْمَدِّ أَيْ أَعْطَيْنَاهُمْ، وَالْجُمْهُورُ بِذِكْرِهِمْ أَيْ بِوَعْظِهِمْ وَالْبَيَانِ لَهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَرَأَ عِيسَى بِذِكْرَاهُمْ بألف التأنيث، وقتادة نَذْكُرُهُمْ بِالنُّونِ مُضَارِعُ ذَكَرَ وَنِسْبَةُ الْإِتْيَانِ الْحَقِيقِيِّ إِلَى اللَّهِ لَا تَصِحُّ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ أَيْ بَلْ آتَاهُمْ كِتَابُنَا أَوْ رَسُولُنَا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِذِكْرِهِمْ أَيْ بِالْكِتَابِ الَّذِي هُوَ ذِكْرُهُمْ أي وعظهم أوصيتهم، وَفَخْرُهُمْ أَوْ بِالذِّكْرِ الَّذِي كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ وَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ.

أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً هَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ أَيْضًا الْمَعْنَى بَلْ أَتَسْأَلُهُمْ مَالًا فَغُلِبُوا لِذَلِكَ وَاسْتَثْقَلُوكَ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَخَطَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَحْسَنِ كَلَامٍ فَقَالَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ عَلَى هِدَايَتِكَ لَهُمْ قَلِيلًا مِنْ عَطَاءِ الْخَلْقِ وَالْكَثِيرُ مِنْ عَطَاءِ الْخَالِقِ خَيْرٌ فَقَدْ أَلْزَمَهُمُ الْحُجَّةَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَقَطَعَ مَعَاذِيرَهُمْ وَعِلَلَهُمْ بِأَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ أَمْرُهُ وَحَالُهُ مخبور سره علنه، خَلِيقٌ بِأَنْ يُجْتَبَى مِثْلُهُ لِلرِّسَالَةِ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيهِمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ حَتَّى يَدَّعِيَ مِثْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى الْعَظِيمَةِ بِبَاطِلٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ سُلَّمًا إِلَى النَّيْلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَاسْتِعْطَاءِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَدْعُهُمْ إِلَّا إِلَى دِينَ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ مَعَ إِبْرَازِ الْمَكْنُونِ مِنْ أَدْوَائِهِمْ وَهُوَ إِخْلَالُهُمْ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ وَاسْتِهْتَارُهُمْ بِدِينِ الْآبَاءِ الضُّلَّالِ مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ، وَتَعَلُّلُهُمْ بِأَنَّهُ مَجْنُونٌ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ وَثَبَاتِ التَّصْدِيقِ مِنَ اللَّهِ بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ النَّيِّرَةِ وَكَرَاهَتُهُمْ لِلْحَقِّ وَإِعْرَاضُهُمْ عَمَّا فِيهِ حَظُّهُمْ مِنَ الذِّكْرِ انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ خَرْجاً فَخَراجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً «١»


(١) سورة الكهف: ١٨/ ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>