وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سُورَةٌ بِالرَّفْعِ فَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذِهِ سُورَةٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، أَيْ فِيمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَوْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً أو الخبر الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى السُّورَةُ الْمُنَزَّلَةُ وَالْمَفْرُوضَةُ كَذَا وَكَذَا إِذِ السُّورَةُ عِبَارَةٌ عَنْ آيَاتٍ مَسْرُودَةٍ لَهَا بَدْءٌ وَخَتْمٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ أَنَّهُ الْخَبَرُ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ الْخَبَرُ فِي السُّورَةِ كُلِّهَا وَهَذَا بعيد في القياس وأَنْزَلْناها فِي هَذِهِ الْأَعَارِيبِ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ انْتَهَى.
وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العزيز وَمُجَاهِدٌ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ الْبَصْرِيُّ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَمَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ سُورَةٌ بِالنَّصْبِ فَخُرِّجَ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ أتلو سورة وأَنْزَلْناها صِفَةٌ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ عَلَى دُونَكَ سُورَةٌ فَنُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ أَدَاةِ الْإِغْرَاءِ وَأَجَازُوا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ أَيْ أَنْزَلْنَا سُورَةٌ أَنْزَلْناها فَأَنْزَلْنَاهَا مُفَسِّرٌ لَأَنْزَلْنَا الْمُضْمَرَةِ فَلَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ إِلَّا أَنَّهُ فِيهِ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ إِلَّا إِنِ اعْتُقِدَ حَذْفُ وَصْفٍ أَيْ سُورَةٌ مُعَظَّمَةٌ أَوْ مُوَضَّحَةٌ أَنْزَلْناها فَيَجُوزُ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سُورَةٌ حَالٌ مِنَ الْهَاءِ وَالْأَلِفِ وَالْحَالُ مِنَ الْمُكَنَّى يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ انْتَهَى. فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي أَنْزَلْناها لَيْسَ عَائِدًا عَلَى سُورَةٌ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنْزَلْنَا الْأَحْكَامَ وَفَرَضْناها سُورَةً أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهَا سُورَةً مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ ثَابِتَةً بِالسُّنَّةِ فَقَطْ بَلْ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَفَرَضْناها بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ فَرَضْنَا أَحْكَامَهَا وَجَعَلْنَاهَا وَاجِبَةً مُتَطَوَّعًا بِهَا. وَقِيلَ: وَفَرَضْنَا الْعَمَلَ بِمَا فِيهَا. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِيجَابِ، وَإِمَّا لِأَنَّ فِيهَا فَرَائِضَ شَتَّى أَوْ لِكَثْرَةِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمْ. قِيلَ: وَكُلُّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَهُوَ فَرْضٌ.
وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّنَاتٍ أَمْثَالًا وَمَوَاعِظَ وَأَحْكَامًا لَيْسَ فِيهَا مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي بِالرَّفْعِ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَالزَّانِ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ مُبْتَدَأً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَقَوْلُهُ فَاجْلِدُوا بَيَانٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَذَهَبَ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ إِلَى أَنَّ الْخَبَرَ فَاجْلِدُوا وَجَوَّزَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هُوَ أَنَّهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ الدَّاخِلُ الْفَاءُ فِي خَبَرِهِ مَوْصُولًا بِمَا يَقْبَلُ أَدَاةَ الشَّرْطِ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ لَا يَجُوزُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute