الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ بِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ. وَقِيلَ: خَاصٌّ بِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَكُبْرَاهُنَّ مَنْزِلَةً وَجَلَالَةً تِلْكَ فَعَلَى أَنَّهُ خَاضَ بِهَا جُمِعَتْ إِرَادَةً لَهَا وَلِبَنَاتِهَا مِنْ نِسَاءِ الْأُمَّةِ الْمَوْصُوفَاتِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ مِنَ الْإِحْصَانِ وَالْعَقْلِ وَالْإِيمَانِ كَمَا قَالَ:
قَدْنِيَ مِنْ نَصْرِ الْخَبِيبِينَ قَدِي يَعْنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وأشياعه. والْغافِلاتِ السَّلِيمَاتُ الصُّدُورِ النَّقِيَّاتُ الْقُلُوبِ اللَّاتِي لَيْسَ فِيهِنَّ دَهَاءٌ وَلَا مَكْرٌ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يُجَرِّبْنَ الْأُمُورَ وَلَا يَفْطَنَّ لما يفطن له المجريات، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطَفْلَةٍ مَيَّالَةٍ ... بَلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا
وَكَذَلِكَ الْبُلْهُ مِنَ الرِّجَالِ فِي
قَوْلِهِ «أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ» .
لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فِي قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ. قِيلَ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِالتَّوْبَةِ وفي هذه لم يجىء اسْتِثْنَاءٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَنْ خَاضَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَتَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَعِيدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَأَنَّ مَنْ تَابَ غُفِرَ لَهُ. وَيُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ كَمَا قِيلَ نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا خَرَجَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرَةً قَذَفُوهَا وَقَالُوا: خَرَجَتْ لِتَفَجُرَ قَالَهُ أَبُو حَمْزَةَ الْيَمَانِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ كَانَ يَشُكُّ فِي الدِّينِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلِمَ حَيْثُ لا ينفعه. والناصب ليوم تَشْهَدُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَهُوَ وَلَهُمْ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ:
الْعَامِلُ فِيهِ عَذَابٌ، وَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ إِلَّا عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ. وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَابْنُ مِقْسَمٍ وَابْنُ سَعْدَانَ يَشْهَدُ بِيَاءٍ مِنْ تَحْتُ لِأَنَّهُ تَأْنِيثٌ مَجَازِيٌّ، وَوَقَعَ الْفَصْلُ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالتَّاءِ، وَلَمَّا كَانَ قَلْبُ الْكَافِرِ لَا يُرِيدُ مَا يَشْهَدُ بِهِ أَنْطَقَ اللَّهُ الْجَوَارِحَ وَالْأَلْسِنَةَ وَالْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا وَأَقْدَرَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ شَرْطًا لِوُجُودِ الْكَلَامِ.
وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: يَخْلُقُ فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ الْكَلَامَ، وَعِنْدَهُمُ الْمُتَكَلِّمُ فَاعِلُ الْكَلَامِ فَتَكُونُ تِلْكَ الشَّهَادَةُ مِنَ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَهَا إِلَى الْجَوَارِحِ تَوَسُّعًا. وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّهُ تَعَالَى يُنْشِئُ هَذِهِ الْجَوَارِحَ عَلَى خِلَافُ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَيُلْجِئُهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى الْإِنْسَانِ وَتُخْبِرَ عَنْهُ بِأَعْمَالِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهَا بِفِعْلِ الشَّهَادَةِ.
وانتصب يَوْمَئِذٍ بيوفيهم، وَالتَّنْوِينُ فِي إِذٍ عِوَضٍ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ، وَالتَّقْدِيرُ يَوْمَ إِذْ تَشْهَدُ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ يُوَفِّيهِمُ مُخَفَّفًا وَالدِّينُ هُنَا الْجَزَاءُ أَيْ جَزَاءُ أَعْمَالِهِمْ.
وَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute