للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَكُونُ فِي بَيْتِي عَلَى حَالٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي عَلَيْهَا أَحَدٌ، فَلَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ من أهلي فنزلت

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا الْآيَةَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ نُزُولِهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الْخَانَاتِ وَالْمَسَاكِنَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ فَنَزَلَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ الْآيَةُ. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّ أَهْلَ الْإِفْكِ إِنَّمَا وَجَدُوا السَّبِيلَ إِلَى بُهْتَانِهِمْ مِنْ حَيْثُ اتَّفَقَتِ الْخَلْوَةُ، فَصَارَتْ كَأَنَّهَا طَرِيقٌ لِلتُّهْمَةِ، فَأَوْجَبَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمَرْءُ بَيْتَ غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَالسَّلَامِ، لِأَنَّ فِي الدُّخُولِ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وُقُوعَ التُّهْمَةِ وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْمَضَرَّةِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا سَلَامٍ لِقَوْلِهِ غَيْرَ بُيُوتِكُمْ

وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: لَيْسَ لَهَا خَادِمٌ غَيْرِي أَأَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا كُلَّمَا دَخَلْتُ؟ قَالَ: «أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً» قَالَ الرَّجُلُ: لَا، قَالَ: وَغَيَّا النَّهْيَ عَنِ الدُّخُولِ بِالِاسْتِئْنَاسِ وَالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْبُيُوتِ

، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ هُوَ خِلَافُ الِاسْتِيحَاشِ، لِأَنَّ الَّذِي يَطْرُقُ بَابَ غَيْرِهِ لَا يَدْرِي أَيُؤْذَنُ لَهُ أَمْ لَا، فَهُوَ كَالْمُسْتَوْحِشِ مِنْ جَفَاءِ الْحَالِ إِذَا أُذِنَ لَهُ اسْتَأْنَسَ، فَالْمَعْنَى حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ كَقَوْلِهِ:

لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ «١» وَهَذَا مِنْ بَابِ الْكِنَايَاتِ وَالْإِرْدَافِ، لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الِاسْتِئْنَاسِ يُرْدَفُ الْإِذْنَ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الْإِذْنِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ تَسْتَأْنِسُوا مَعْنَاهُ تَسْتَأْذِنُوا، وَمَنْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ تَسْتَأْنِسُوا خَطَأٌ أَوْ وَهْمٌ مِنَ الْكَاتِبِ وَأَنَّهُ قَرَأَ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا فَهُوَ طَاعِنٌ في


(١) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>